ورد سؤال للجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية عن مدى جواز وقوف أحدهم يعظ الناس ويذكرهم بالجنة والنار عند دفن الميت، ثم يقوم بالدعاء والاستغفار له ، والناس يؤمنون خلفه.وأثناء فعله ذلك، حيث قال بعض الشباب: هذا بدعة ، وليست سنة ، وأن السنة أن يدعو كل واحد من المشيعين سرا لا جهرا ، وذلك أحدث بلبلة بين الناس ما بين مؤيد ومعارض، فما هو حكم الشرع فى هذا الأمر؟
وأجابت اللجنة قائلة: أولا: يسن عند دفن الميت تذكير الناس بالموت وموعظتهم وحثهم على الاستعداد للدار الآخرة، والعمل لما بعد الموت ؛ وقد دلت على ذلك النصوص ، فقد ترجم البخارى فى صحيحه : باب موعظة المُحدّث عند القبر: عن على - رضى الله عنه - كنا فى جنازة فى بقيع الغرقد، فأتانا النبى (ﷺ) ، فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مِخصرة، فنكس، وجعل ينكتُ بمخصرته، ثمّ قال: (مَا مِنكُمْ من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كُتبتْ شقية أو سعيدة) ، فقال رجل لرسول الله: أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل، فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأمًا من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: (أمّا أهل السعادة فييسّرون لعمل السعادة، وأمّا أهل الشقاوة فييسّرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ: (فأما من أعطى والتقى وصدّق بالحسنى (الآية).
قال ابن بطال فى شرحه على صحيح البخاري: فيه جواز القعود عند القبور والتحدث عندها بالعلم والمواعظ.انتهی
وبذلك يعلم أن الوعظ عند القبر أمر مشروع قد فعله النبى ﷺ
ثانياً: كما يسن عند الفراغ من دفن الميت الانتظار والدعاء له، وسؤال الله له بالتثبيت عند السؤال، لحديث عثمان -رضى الله عنه- قال: "كان النبى ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل " رواه أبو داود، وعن ابن مسعودرضى الله عنه-: «كان النبى - ﷺ - يقف على القبر بعدما يسوى عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله فى قبره بما لا طاقة له به)) رواه سعيد فى سننه.
قال الإمام الترمذي: الوقوف على القبر، والسؤال للميت فى وقت الدفن، مدد للميت بعد الصلاة عليه .
ثالثاً: فى قوله (ﷺ) " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل " عموم، فيجوز الدعاء فرادى، كما يجوز أن يدعو أحدهم جهراً، ويؤمّن الناس على دعائه ؛ على أصل مشروعية الدعاء وهيئته؛ إذ لا مخصص .
وقد أخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه بسنده عن عبد الله بن أبى بكر ، قال : كان أنس بن مالك إذا سوى على الميت قبره قام عليه ، فقال : اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه ، اللهم جاف الأرض عن جنبه ، وافتح أبواب السماء لروحه ، وتقبله منك بقبول حسن ، اللهم إن كان محسنا فضاعف له فى إحسانه ، أو قال : فزد فى إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه.
ومثل ذلك لا يعلم لفظه إلا لمن سمعه ، وسماع الغير له يستلزم الجهر به ، وجهر أنس بن مالك به وهو من كبار الصحابة مع عدم الإنكار عليه فيه دلالة على مشروعية الجهر بالدعاء عند القبر ، ولا يقبل عقلا أن يرفع الجميع أصواتهم بالدعاء كل بقول مخصوص عن الآخر ، وإلا لزم التشويش ، ومثله لا يصدر عن آحاد المسلمين فضلا عن كبار الصحابة والتابعين ، فلم يبق إلا أنه كان يدعو والحاضرون يؤمنون خلفه . وعليه فلا ينبغى الإنكار على من جهر بالدعاء والناس خلفه يؤمنون ، إذ الأمر فيه متسع ، فمن شاء دعا سرا ، ومن شاء دعا جهرا ، وكله نفع للميت .