تحل الذكرى الخامسة لحادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد أيام قليلة، وهو الذى وقع فى مطلع عام 2011 وتحديدا بعد تخطى الساعة الثانية عشرة مساء يوم 31 ديسمبر 2010، وراح ضحيته أكثر من 20 شهيدا وأكثر من 100 مصاب.
وبعد مرور 5 سنوات على الحادث، أحد أهالى الشهداء ويدعى "فكرى ناشد" يحول منزله إلى مزار، حيث يضم المزار مقتنيات أفراد أسرته الأربعة الذين راحوا ضحية الحادث، حيث فقد زوجته "سونيا"، 52 عاما، وابنتيه الوحيدتين "مريم"، 22 عاما، صاحبة الوجه الملائكى التى أدمعت قلوب الآلاف داخل مصر وخارجها، و"مارتينا" الشقية كما يصفها والدها، 13 عاما، وخالتهما "سميرة"، 54 عاما، الخادمة بالكنيسة والبتول والتى وهبت حياتها لخدمة الرب، وكان لها مكان مخصص بدير القديسة دميانة بالبرارى للصلاة والخلوة الروحية.
"انفراد" انتقل إلى منزل الأسرة والتقى بالأب والزوج المكلوم صاحب الفكرة
بداية.. الدخول إلى المنزل يجعلك تشعر أنك تدخل إلى كنيسة، فالمكان ممتلئ براحة الزيت المقدس والحنوط الموضوعة على رفات جزء من أجساد شهدائه التى تم جمعها من الأجزاء المتناثرة لأجسادهم أمام الكنيسة، خاصة وأن الأب المكلوم قد حصل على جزء من تلك الرفات بوثيقة رسمية من الكنيسة ووضعها فى مقصورة خاصة داخل حجرة مريم ومارتينا لتكون مزارا لكل من يريد التوجه إليهم وزيارتهم، وأسفل أنبوبة الرفات يوجد صورة للبابا تواضروس الثانى وهو يطيب رفات تلك الأنبوبة بيده بالحنوط.
وفى الصالة الرئيسية فى مدخل المنزل مازال الإعداد مستمر لتجهيز المدخل لاستقبال الزوار، حيث سيتم وضع أيقونة كبرى يتم تجهيزها حاليا تحمل صور جميع شهداء الحادث، بالإضافة إلى بعض الصور الشخصية لمريم ومارتينا وصور الأسرة.
أما حجرة "مريم" و"مارتينا" فتحولت إلى مزار بالفعل، فهى تضم جزء من رفات أجساد الشهداء، وصور لمريم ومارتينا تروى ذكريات الحياة التى قضوها فى هذا العالم، البعض منها تم صنعه خصيصا لهما، حيث يعلو سرير حجرتهما صورة لمريم فى حفل التخرج عقب الحادث صنعها زملاؤها فى حفل التخرج فى الكنيسة ووضعوها وسطهم ثم قاموا بإهدائها لوالدها لتأخذ مقرها الأخير فى حجرة مريم. ويعلوها صورة أخرى تضم كل من مريم ومارتينا ووالدتهما وخالتهما، محفورة بالخشب صنعت خصيصا لهم فى دير القديسة دميانة بالبرارى.
وعلى الجانب الآخر من السرير وضع "أورج" صغير كانت تعزف عليه مريم وهى صغيرة وعليه صورتها، وفى الجهة المقابلة للسرير وضع مكتب عليه مجموعة من صور مريم ومارتينا وتمثال بروتزى لـ"مريم" صنعته إحدى زميلاتها بكلية الفنون الجميلة لها عقب وفاتها.
"انفراد" التقى بفكرى ناشد، الأب والزوج المكلوم فى أسرته، والذى يعانى شديدا من فراقهم بالرغم من تحليه بالإيمان الشديد بحكمة الله والخضوع لإرادته، قرر تحويل منزلهم إلى مزار، يقصده كل من يريد التبرك ببركة الشهداء، وتركه إلى كنيسة القديسين عقب وفاته.
ويقول الأب والزوج المكلوم، لـ"انفراد، إن منزل الأسرة كان "إيجار وليس تمليك"، وأنا لم أحتمل فكرة أن يكون منزل أسرتى بما يحمله من مقتنياتهم وذكريات السنوات التى مرت عليهم فى المنزل ملكا لأحد آخر قد يطمسها، فمن حق صاحب المنزل الحصول على الشقة بعد وفاتى خاصة وأنه بعد الحادث ليس لى شخص يرثنى، ومن هنا قررت شراء المنزل، وبعد أن أصبح ملكى سأحوله إلى مزار، خاصة وأن أصدقاء مريم مازالوا يترددون على المنزل لزيارة حجرتها بين الحين والآخر.
وأضاف، "بالرغم من أنى أمتلك شقة أخرى فى مكان آخر وكان من الممكن أن أنقل تلك المقتنيات إلى الشقة الأخرى، إلا أنى فضلت الاحتفاظ بالشقة التى قضوا فيها أجمل سنوات حياتهم، وحاليا أعرض شقتى الأخرى للبيع، والتى قمت بشرائها قبل الحادث بأسبوع واحد، فأنا لا أريد العيش بعيدا عنهم.
وأضاف، "عقب الحادث تلقيت عروضا كثيرة للهجرة والحياة بعيدا عن مصر، ولكن كان ردى دائما "ما لدى فى مصر أكثر مما لدى فى أى بلد آخر"، وإذا لم أقرر أن أحيا بجانبهم، لكنت حاليا قد فقدت عقلى أو حصلتهم، وقال "الحياة بجانبهم واللجوء إلى الخدمة داخل الكنيسة هو الشىء الوحيد الذى يجعلنى قادرا على الحياة، خاصة أنى أشعر بوجودهم بجانبى".
وحول الحصول على جزء من رفات أجساد القديسين قال: "إنه حصل على تلك الأنبوبة التى تحمل جزء من الرفات بوثيقة سمية من الكنيسة، مشيرا إلى أن هناك أجزاء أخرى تم توزيعها على عدد من الكنائس بالإسكندرية، ومنها كنيسة المرقسية وكنيسة العذراء غبريال، وكنيسة العذراء والأنبا إثناسيوس، وكنيسة العذراء بالمندرة، وكنيسة الأنبا كراس بأرض فرعون".
ويروى فكرى ناشد عن ذكرياته لابنته مريم قائلا: "كانت فتاة متفوقة دراسيا، وكان حلمها الالتحاق بكلية الهندسة وبالفعل التحقت بها بالأكاديمية العربية، وكانت فتاة تشعر بالمسئولية وطالما حاولت تخفيف نفقاتها الشخصية لتخفيف العبء عن كاهلى، فكانت تشعر بالمسئولية تجاه والديها وتجاه شقيقتها الصغرى مارتينا، وكانت لها خدمتها داخل الكنيسة".
وتابع قائلا: "إن مريم كانت عضو فى كورال قيثارة السماء وخلال فترة قصيرة اكتسبت حب وثقة كل أعضاء الكورال"، ونفى أن تكون مريم قد عملت فى مكتبة الإسكندرية كما أشيع عنها بعد وفاتها أو أنها كانت فى مرحلة الخطوبة.
وعن آخر كلماتها قال: "قبل وفاتها بحوالى 4 ساعات كتبت على صفحتها على الفيس بوك عبارة أدمعت عيون الآلاف فى مصر وحول العالم وانتشرت فى معظم صحافة العالم عقب الحادث، حيث قالت: "عام 2010 انتهى وقضيت به أسعد أيامى ومازال لدى آمال وطموح فى 2011 يارب أقف جنبى وساعدنى"، وهو عكس طبيعتها حيث كانت خجولة ومتواضعة وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيها ووفاتها أثرت فى الكثيرين.
أما عن مارتينا شقيقتها الصغرى فقال: "كانت ابنتى الشقية، شقاوة لذيذة، وكانت متفوقة فى دراستها، وكان زملاؤها فى المدرسة يتسابقون لصداقتها، وأضاف "شهادات مدرسيها بالمدرسة كانت رائعة ودونت كل تلك الشهادات لها ولشقيقتها مريم فى كتاب كتبته بعنوان "إلى أغلى الناس" عقب الحادث.
أما عن زوجتة فقال: "ما عرفته عنها بعد الحادث أكثر مما عرفته خلال زواج طال 23 عاما، حيث عرفت عنها أعمال خيرة كثيرة كانت تقوم بها من خلال خدمتها بالكنيسة، ولم أكن أعرف عنها شيئا، وأضاف "إن زوجتى لم تكن تفرق فى خدمتها فى الديانة، وكانت تخدم الجميع".
وأخيرا حول إحياء ذكراهم هذا العام، قال: "أقوم حاليا بتجهيز مطبوعات لتقويم العام الجديد 2016 تحمل صور الشهداء جميعا سيتم توزيعها مجانا، بالإضافة إلى توزيع كتاب "سحابة نورانية" الذى يتحدث عن "الاستشهاد فى المسيحية" ويتناول شهداء ليبيا.
وحول استمرار فتح ملف كنيسة القديسين أمام القضاء، وعدم تحديد الجانى إلى الآن لمحاكمته قال: "إن الله رب عدل وطالما أن الله عادل فى السماء فلابد من أن يكون هناك عدل على الأرض، ولابد من ظهور الجانى لمحاكمته".