على ربوة عالية بحى الصفا جنوب مدينة العريش بشمال سيناء جمع عش الزوجية بين "عيد وعايدة"، ببصيرة ثاقبة هى كل ما يملكانه بعد فقدهما البصر، يواجهان سويا مصاعب الحياة بوجه بشوش ورضاء تام بما هم فيه من حال.
الزوجة الكفيفة "عايدة" حاصلة على ليسانس آداب قسم تاريخ من جامعة القاهرة، والزوج الكفيف "عيد"، أصبح متعلما بعد أن تحدى سيرا على قدميه كل ظروف انعدام فرصة تعليم غير المبصرين فى مكان مولده بوسط سيناء قبل 45 عاما، واستطاع بإرادته أن يمحو أميته.
جمعت أرض مدينة العريش بين الزوجين التى فيها عرف "عيد" أسرة "عايدة" التى توفى زوجها، وكانت وصيته له، أن يرعى الأبناء الخمسة، واستكمل هو المسيرة زوج وأب وينجبان شقيق سادس لهما جميعهما مبصرين.
فى منزلهم الذى يزين واجهته بابه الرئيسى علم مصر، روى الزوجان لـ"انفراد"، قصة تحدى تتجدد كل يوم فى السعى على الرزق يبدأ فجر كل يوم حتى نهايته.
قالت "عايدة عزت على"، أنها ولدت فى القاهرة فاقدة للبصر، وحرص والدها الذى لايجيد القراءة والكتابة على تعليمها بمدرسة النور والأمل للكفيفات بمصر الجديدة، واتمت الثانوية العامة وكلية الآداب قسم التاريخ، بتفوق بعد أن ركزت خلال دراستها على المذاكرة التى كانت فى ذاك الوقت صعبة، نظرا لإنعدام الإمكانيات المتوفرة حاليا، ووسيلتها تسجيل المحاضرات على شرائط الكاسيت ثم تفرغها بالكتابة بطريقة برايل .
أضافت، أنها تزوجت فى القاهرة بأحد أبناء شمال سيناء وهو محمد عطوه، وحضرت للعريش فى عام 1993 مع زوجها، وفور وصولها نادت بإنشاء مدرسة للمكفوفين فى سيناء، وتحقق حلمها بجهود المخلصين وافتتحت المدرسة فى عام 2000 وكان يديرها مبصرين، وتمكنت من الحصول على فرصة عمل فيها كأول معلمة غير مبصرة عام 2009 .
وتابع الحديث الزوج "عيد سالمان مصلح" بقوله انه من ابناء قبيلة الترابين، ولد كفيفا فى قرية وادى العمر التابعة لمركز الحسنة بوسط سيناء فى 1975 ، وكانت سيناء وقتها تحت الاحتلال الصهيونى، ولاتوجد أى خدمات تعليم لمن هم فى مثل حالته، وبدأت أول خطوات تحديه "العمى"، وهو فى سن ال15 بقرار أن يعتمد على بصيرته بالسير على قدميه وصولا لكل من حوله، وأدرك انه لابد أن يواجه واقعه ولايستسلم للظروف وكان يتابع باهتمام محطات الإذاعة ويصقل مداركه وثقافته .
أضاف أن الحديث عن معاناة الكفيف فى القرى خارج المدن لاتوصف لكنه لم يعترف بهذه الصعوبة، فاعتمد على نفسه فى التنقل وسؤال الناس، واكتساب أصدقاء من قرى محيطة بمناطقهم و الوصول لأقرب المدن، و يسترشد بالناس فى معرفة الأماكن والطرق والمواصلات رافعا شعار أن الاعتماد على الذات خير وسيلة لتحقيق الهدف .
وقال انه فى سن ال18 استطاع الذهاب للقاهرة بمفردة، وهناك علم بوجود مركز قصر النور وقام بزيارته والحصول على معلم القراءة بطريقة برايل، والتحق بفصول مدارس محو الأمية للمكفوفين بالإسماعيلية، وأصبح يتنقل بمفرده بين كل محافظات مصر، يزور أصدقاء ويكتسب معارف جديدة .
أضاف انه بدأ رحلة البحث عن وظيفة وتنقل بين دواوين المديريات بالعريش دون جدوى، حتى صادف حضوره لقاء جماهيرى لمحافظ شمال سيناء الأسبق اللواء محمد الغاياتى، الذى قرر على الفور تعيينه بقطاع المحليات بوظيفة خدمات معاونة، وتنقل فى العمل بين مدن العريش والحسنة وقرية وادى العمر ثم استقر بمجلس مدينة العريش .