يعتبر مسجد ناصر بمحافظة أسيوط واحدا من أهم المساجد ودور العبادة بالمحافظة، ليس لقيمته الدينية والتاريخية فقط،، بل لكونه أحد منارات العلوم الإسلامية بالمحافظة، ولعب مسجد ناصر أدوارا سياسية أيضا فى تاريخ مصر.
القيمة التاريخية للمسجد
تعود القيمة التاريخية للمسجد لمن قام ببنائه وتشييده، وهو الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر، الذى أمر ببنائه عام 1964، وبنى على غراره عدد كبير من المساجد بكافة محافظات مصر، وحملت نفس الاسم، فضلا عن توسطه لمدينة أسيوط، وفى أحد أهم الميادين وهو ميدان المنفذ، والذى أطلق عليه بعد ذلك ميدان الشهيد محمد جلال وفى بداية أهم الشوارع الرئيسية بالمحافظة وهو " شارع النميس".
ونظرا للقيمة التاريخية للمسجد تقام فيه جميع المناسبات الدينية الرسمية للمحافظة، ويصلى فيه كبار رجال الدولة حال زيارتهم للمحافظة، أو فى حالة إقامة خطب الجمعة من المحافظة فى أعيادها الرسمية، وصلوات العيد واحتفالات ليلة القدر وذلك منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وحتى وقتنا هذا، عدا زيارة الرئيس الأسبق " محمد مرسى" الذى أدى صلاة ظهر الجمعة عند زيارته لأسيوط فى مسجد عمر مكرم، والذى فسره البعض بأنه رفض الصلاة فى مسجد يحمل اسم الزعيم جمال عبد الناصر ونسب بناؤه إليه.
القيمة الأثرية والمعمارية
يتميز مسجد ناصر برسومات وطرز معمارية متميزة، ويظهر المسجد من الداخل وكأنه لوحة فنية صممت بشكل دقيق ورسومات متميزة، وكان الشيخ ثابت أبو المعالى شيخ المعهد الدينى فى ذلك الوقت وأهم علماء الأزهر فى زمانه،وأكثر العلماء قربا للزعيم جمال عبد الناصر، يحمل الحجارة والمون على كتفه لبناء المسجد.
وصمم المسجد مهندسون متميزون وقت إنشائه، ويعتبر من أكبر المساجد من حيث المساحة، ويأتى فى المرتبة الثانية بعد المسجد الكبير بمحافظة أسيوط، ويقع بجانب أكبر كنيسة فى أسيوط، وهى كنيسة الملاك، وتجاور الكنيسة مع المسجد هو أكبر دليل على الوحدة الوطنية التى تتميز بها مصر.
وتعلو المسجد مئذنتان كبيرتان، يمكن رؤيتهما من على مساحات بعيدة، مصممتين بشكل معمارى متميز يتوسطهما قبة دائرية مطرزة، وواجهات المسجد مصممة بشكل فنى متميز، وتم تجديد المسجد وطلاء حوائطه فى عهد اللواء نبيل العزبى محافظ أسيوط السابق، مع الاحتفاظ بالطراز المعمارى الذى كان عليه
الصراعات السياسية على المسجد
منذ أن بنى مسجد ناصر فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، أقامت الدولة مناسباتها الدينية فيه، وعلا المنبر علماء الدولة الداعمين للنظم القائمة، فبات هناك صراع على المسجد، نظرا لكثرة المصلين فيه من كل التيارات والأحزاب السياسية.
وقال الدكتور محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق، إن الرئيس عبد الناصر قدم للإسلام ما لم يقدمه أحد، وبنى مساجد كبيره ومختلفة فى كل محافظات مصر، من بينها مسجد ناصر، ويكفيه ما فعله عندما ذهب له الشيخ الحصرى وقال للرئيس عبد الناصر، إن القرآن مستهدف، فقال له: قل لى أى شىء يحافظ على كتاب الله وأنا معك، فكانت النتيجة إذاعة القرآن الكريم الذى أمر بافتتاحها حفظا للقرآن وكانت مسك الختام.
وأوضح مهنى أن مسجد ناصر منذ أن أقيم وتقام فيه المناسبات الدينية الرسمية، وكان يرأس المسجد وقتها الشيخ ثابت أبو المعالى، وكان من علماء الأزهر والمقربين للرئيس جمال عبد الناصر، ولكن مع ظهور الجماعات الإسلامية فى فترة السبعينات، حاولت السيطرة على المسجد نظرا لأهميته، وحاول عمر عبد الرحمن أمير الجماعة الإسلامية وقتها إعطاء محاضرا ت فى المسجد لجماعته، وتصدت الدولة له أكثر من مرة، حتى هدد الدولة تهديدا صريحا ودخل المسجد، وقال إما المحاضرة أو إراقة الدماء.
واستطرد مهنى: كان ذلك فى عهد اللواء محمد عبد الحميد رضوان مدير أمن أسيوط، وفى عهد اللواء ذكى بدر وزير الداخلية، وفضل وقتها مدير أمن أسيوط أن يعطى عمر عبد الرحمن المحاضرة تجنبا لإراقة الدماء، رغم علمه بالعقوبات التى من الممكن أن تطاله، وبالفعل أصدر وزير الداخلية وقتها قرارا بنقل كل القيادات الأمنية بمحافظة أسيوط خارج المحافظة، وفشلت بعده محاولات الجماعة الإسلامية السيطرة على المسجد بعد تصدى الأمن والمواطنين لهم.
وأشار مهنى إلى أن الجماعات الإسلامية كانت تخرج مظاهراتها من المسجد بقيادة ناجح إبراهيم وأسامة حافظ.
من جانبه قال الشيخ محمد العجمى وكيل وزارة الأوقاف، إن مسجد ناصر من المساجد الهامة، وظل أحد أئمة الأوقاف الذى ينتمى للفكر الصوفى الوسطى إماما له لمدة أكثر من 20 عاما، ثم خرج على المعاش وتولى بعده إمام آخر بالمحافظة، وبعد الثورة حاولت جماعة الإخوان المسلمين السيطرة عليه، وتم
ذلك بالفعل فى فترة تولى محمد مرسى، وخرجت من أمامه مظاهرات لجماعة الإخوان، حيث كانوا يبدأون من عنده، ولكن بعد ثورة 30 يونيو تم إعادة المسجد للأوقاف، وأصبح إمامه أحد الأئمة أصحاب الفكر الوسطى، وهو المسجد الوحيد الذى تم اختياره لإقامة مجالس الإفتاء فيه فى محافظة أسيوط.