وسط صخب المجاورة الخامسة عشر فى مدينة العاشر من رمضان، جابت "وحيدة" شوارعها تحكى قصة ابنها عبد الرحمن، الذى مات بعد رحلة علاج طويلة مع مرض السرطان، تاركًا لها الذكريات والصور وتفاصيل أيام عاشتها بجواره منتظرة ثغره حين يتبسم، ونكاته التى كان لا يتوقف عن قولها، وألم يعتصرها بين جلسات الكيماوى فى مستشفى الزقازيق.
لا تستطيع "وحيدة" التقاط أنفاسها وهى تروى لكل شخص ساعد معها فى علاج ابنها، أنه تارك له السلام، وتطالبهم بقطع الإعانة التى كانوا يساعدونها بها لمرض ابنها قائلة "خلاص عبد الرحمن مات وأخذ معه كل الفرح".
وحيدة شحات عبد الغنى 53 عاما، إسكندرانية، تزوجت من عامل منذ 25 عاما ورزقت منه بثلاثة أبناء "ولدين وبنت" أسماء وعبد الرحمن، وعبد الله، وجاءت للعيش فى مدينة العاشر من رمضان تمتلك من حس الفكاهة والضحك ما يمكنه أن يحول المكان الذى تجلس فيه إلى ضجيج من كثرة الضحك، بينما وهى تحكى تفاصيل قصتها مع ابنها عبد الرحمن الذى كانت تحمله فوق كتفها رغم كبر سنه، أثناء رحلة العلاج وهى فى طريقها لجلسة الكيماوى، حتى تبرع لها أحد أصحاب القلوب الرحيمة بكرسى عجل، خفف عن كاهلها القليل، لا يمكنك أن توقف زرف الدمع متفاعلا مع تفاصيل وجهها التى تملأها الدهشة وعدم التصديق أن ابنها مات .
وحيدة استكانت فى مكان التقت فيه إحدى السيدات التى كانت تعرفها منذ زمن، فى سوق الخميس الذى يملأه الضجيج وقبل أن تلقى السلام قالت "عبد الرحمن خلاص مات" وهنا بدأت تروى وحيدة لـ"انفراد" تفاصيل قصة عمرها 15 عاما هى عمر ابنها المتوفى، الذى كان يتمتع بجمال المظهر والجوهر، قائلة " كان ابن موت" .
وقالت وحيدة "بعد ما اكتشفت مرض ابنى اسودت الدنيا فى عينى، لكن أولاد الحلال هونوا عليه وقالوا هنفضل جنبك لحد ما يخف، ولم يبخلوا عليه بشىء ومنهم من كان يعطينى شهرية لعلاجه ومصاريفه، حتى وقف القدر فى وجهى وبدأت حالة عبد الرحمن تسوء إلى أن سقط يومًا على رأسه ومات بعد حجزه بالمستشفى بيومين، ودفنته فى إسكندرية، وكلما أشتاق إليه أذهب لزيارته ".
جلست وحيدة تبكى وتلاحقها أنفاسها المتقطعة، كيف يأتى لها فى المنام ، قائلا "أنا مستنيكى عند الرسول تعالى اشوفك" كلما قابلت أحد تعرفه تحكى له المنام عله يوما يتحمل تكاليف سفرها للحج لمقابلة ابنها، هذا ما صوره لها عقلها البسيط ورغبتها المستميتة فى الذهاب للحج ، لرؤية ابنها، لكنها لا تملك المال للسفر .
وقالت وحيدة لـ"ليوم السابع"، نفسى أروح أشوف ابنى، وقبل ما أموت نفسى فى مأوى يحمى ابنى عبد الله وأخته العروسة، عشان ما يتبهدلوش من بعدى، قائلة: ابنى ربنا كرمه ومات ومش عايزة عيالى الباقين يتبهدلوا فى الدنيا، أولاد الحلال بيساعدونى للعيش، لكن صاحب الشقة الإيجار جاء يوم العزاء يطالبنى بإخلاء الشقة وتسليمها له، وحين علم بوفاة عبد الرحمن عزانى وتركنى ومشى، بعد ما الناس استسمحوه، مفيش إيجار متأخر عليه ولا حاجة إيجار الشقة 450 جنيها، وأولاد الحلال بيدفعوه ، وبأكل وبشرب أنا وعيالى من باب الله
وتنهى وحيدة حكايتها بطلب مشروع شقة ولو حجرة وصالة تعيش فيها هى وابنتها وابنها المتبقى، حتى يكرم الله ابنتها بزوج، وتعيش لتربى ابنها الذى لم يتجاوز عمره الـ7 أعوام، ولم يدخل المدرسة، حيث ضاع منه العام وسط ظروف وفاة شقيقه الأكبر، قائلة "يا ريس احنا لحمك وعشمنا فيك كبير نفسى فى شقة ".