عندما تفكر أن تبدأ مشروعا صغيرا وتحتاج إلى التمويل، فالفكرة الأولى التى تطرأ على ذهنك هو أن تتوجه إلى البنك، ولكن الحقيقة أن هناك العديد من البدائل المتاحة لتمويل مشروعك من خلال شركات متخصصة فى التمويل غير المصرفى، ولكن المشكلة ان الكثير من أصحاب المشروعات الصغيرة لا يعرفون عنها الكثير.
التأجير التمويلى، والتخصيم، وصناديق الاستثمار فى المشروعات الصغيرة وشركات رأس المال المخاطر، هى طرق تمويل أخرى غير بنكية متاحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما عرضه مؤتمر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية اليوم الأربعاء بعنوان: " التمويل والتعثر: المشاكل المزمنة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة هل من جديد؟".
وأكد علاء سبع الشريك عضو مجلس إدارة المركز المصرى ومدير الجلسة، أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هامة جدا فى توفير فرص العمل ومكافحة البطالة، ولكن دائما ما نتحدث عن البنوك فقط لتمويل هذه المشاريع، رغم وجود العديد من الجهات غير المصرفية التى يمكنها توفير التمويل اللازم، من خلال أدوات مالية مختلفة، حيث شهدت الأربع سنوات الماضية طفرة كبيرة فى مجال الشركات العاملة فى التمويل من خارج القطاع المصرفى، وبعض الشركات العاملة فى رأس المال المخاطر.
ومن ضمن آليات التمويل المختلفة عن البنوك هو نشاط التخصيم، وهو ما شرحته علا جاد الله رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية لضمان مخاطر الصادرات، حيث تقوم الشركة بنشاط التخصيم، وهو يعنى إمكانية إقراض الشركات بقيمة فواتير بيعهم للمنتجات، وما يحدد طبيعة الموافقة على منح القرض من عدمه ليس الوضع المالى للبائع "الشركة المقترضة" ولكن قدرة مشترى البضاعة على السداد، فإذا توفر هذا يتم تقديم القرض، وهو ما يسهل العمل للشركات الصغيرة والمتوسطة التى تقوم بالتصدير وكذلك العاملة بالسوق المحلى.
وقالت جاد الله، أن الشركة توفر حماية للمصدرين من المخاطر السياسية والاقتصادية فى حالات التصدير خاصة إلى المناطق التى ترتفع فيها الخطورة مثل السوق الأفريقى أو مناطق النزاعات، ويقتصر عمل الشركة على توفير الحماية للشركات التى يقتصر تصديرها على الحسابات المفتوحة وليس الاعتمادات المستندية لأن البنوك توفر الحماية المطلوبة فى هذه الحالة.
ومن ضمن طرق التمويل غير المصرفية، هى التأجير التمويلى، وهو ما عرضه طارق فهمى رئيس شركة التوفيق للتأجير التمويلى، وشرح هذا النظام الذى يعتمد على وجود مؤجر "شركة التأجير التمويلى" ومستأجر "العميل أو المصنع" وتدخل شركة التأجير فى شراء الآلات والمعدات للعميل وسداد قيمتها لتكون مالكة لهذه الأصول لحين قيام العميل أو المصنع بسداد إيجار ومن حقه فى نهاية المدة الحصول على هذا الأصل "الآلات" بقيمة مالية اسمية، وهو نظام سريع فى تمويل المشروعات ومحبب لدى كثير منها، وأصبح متاحا للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال 4 شركات متخصصة فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن يشترط أن تكون هذه الشركات منضبطة ماليا ولديها مراقب حسابات معتمد من البنك المركزى لضمان قدرتها على الاقتراض والسداد.
وأوضح فهمى أن نظام التاجير التمويلى موجود فى مصر منذ حوالى 20 عاما، ولكن شهد القطاع طفرة خلال السبع سنوات الماضية، حيث ارتفع عدد الشركات العاملة بالسوق المصرى من 6 شركات عام 2006 بعقود قيمتها 3 مليار جنيه، إلى 32 شركة تعمل بعقود قيمتها 28 مليار جنيه فى نهاية 2017، وطالب فهمى أن تحصل الشركات العاملة فى مجال تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء من خلال التأجير التمويلى أو صناديق الاستثمار، على الأموال من البنوك بالفائدة المنخفضة ضمن مبادرة إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة لضمان إعادة إقراضها للمشروعات الصغيرة بفائدة منخفضة، حيث يتم الإقراض حاليا بسعر الفائدة البنكية الحالية مضافا إليها ربحية الشركة المقرضة، ويمكن أن تصل قيمة الفائدة إلى 25% مما يمثل عبئا على الشركات الصغيرة.
ومن القوانين الهامة التى يتنظرها مجتمع الأعمال خلال الفترة المفبلة كما يوضح فهمى هو قانون التاجير التمويلى والتخصيم المعروض على مجلس النواب حاليا، حيث سيضيف نشاط التخصيم بموجب قانون لأول مرة وليس مجرد قرارات إدارية، وهو ما يسمح بتوفير التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة ليس فقط على استثماراتها فى الآلات والمعدات، ولكن أيضا على تمويل رأس المال العامل، وهى مشكلة كبيرة تعانى منها كل المشاريع الصغيرة فى مصر.
وتعد صناديق الاستثمار فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة من اهم وسائل التمويل غير المصرفية، حيث يقوم صندوق الاستثمار بتمويل المشروع الصغير أو المتوسط وإعادة هيكلته بالكامل لتحويله إلى الربحية من خلال الإصلاحات الإدارية التى يقوم بها الصندوق.
ويوضح هانى توفيق الرئيس السابق للجمعيتين المصرية والعربية للاستثمار المباشر، أن أهم مشكلات الشركات الصغيرة والمتوسطة تتعلق بالإدارة حيث تدار بعقلية الرجل الواحد وليس لها جهاز إدارى رسمى، كما أن لديها ميزانيتين الأولى غير حقيقية لتقديمها إلى الضرائب والثانية حقيقية يتم إخفاؤها، وهو ما يعرضها للإفلاس والفشل، وهنا يكون دور صناديق الاستثمار تعديل أوضاع هذه الشركات بفصل الملكية عن الإدارة وإعادة بناء القوائم المالية وعمل دورة مستندية للشركة، وتعيين مدير مالى، وطالب توفيق بتسهيلات من الحكومة فى تأسيس شركات صناديق استثمار المشروعات الصغيرة والمتوسطة حتى لا تضطر إلى أن تؤسس بنظام "الأوف شور".
وهناك ما يسمى بصناديق إعادة الهيكلة التى تعمل فى العديد من دول العالم وتتلخص مهمتها فى إنقاذ المشروعات المتعثرة، ورغم انتشارها الكبير حيث يوجد حوالى 402 صندوق على مستوى العالم، إلا أن مصر ليس لديها أى صندوق من هذا النوع باستثناء تجربتين سابقتين لم تكتملا، ولكن مؤخرا فى ديسمبر الماضى تم الموافقة على منح التراخيص لشركة مصر لرأس المال المخاطر كأول صندوق إعادة هيكلة للمشروعات الصناعية المتعثرة، بمساهمة من كل من صندوق تحيا مصر والذى يملك حوالى بنسبة 46.7%، ومركز تحديث الصناعة بنسبة 20%، وبنك الاستثمار القومى بنسبة 20%، وشركة أيادى بنسبة 13.3%، وهو ما عرضته غادة الجوهرى عضو مجلس إدارة الشركة.
وأوضحت الجوهرى أن الشركة تعتمد على ضخ الأموال فى الشركة المتعثرة فى صورة مساهمة أو إقراض أو مرابحة، لإنهاء حالة التعثر وإعادة الهيكلة لضمان عدم التعثر مرة أخرى، وهناك العديد من أساليب التخارج بعد انتهاء حالة التعثر منها بورصة النيل او أن يقوم المستثمر بإعادة شراء أسهمه مرة أخرى وهى الحالة التى يفضلها أغلب الشركات المتعثرة، أو اندماج المصنع فى مصنع كبير يوفر له صناعة وسيطة.
ولكى تقبل الشركة الدخول لإنقاذ المشروعات المتعثرة يشترط لها أن تكون صناعية، ولدى المصنع منتج مطلوب بالسوق، ولديه إدارة جيدة ولم يحدث تآكل فى رأسماله، ولم يستمر هذا التعثر لفترات طويلة تخرج الشركة من السوق تماما، وعدم وجود إجراءات أو قرارات قضائية اتخذت ضده، وتمنح الشركة الأولوية للمصانع المتعثرة كثيفة العمالة والتى تستخدم الخامات المصرية فى الإنتاج.
وفيم يتعلق بالجانب التشريعى، أوضح شريف سامى الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية أن الفترة الماضية شهدت صدور العديد من التشريعات الهامة منها قانون الاستثمار، وقانون التراخيص، وتعديلات قانون الشركات، وتعديلات قانون سوق رأس المال، وقانون تنظيم الإفلاس والخروج من السوق، وقانون تنظيم الضمانات المنقولة، ويوجد مشروع قانون جديد للتأجير التمويلى والتخصيم حاليا بمجلس النواب، كما تدرس الحكومة حاليا مشروع قانون جديد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن الأهم من صدور القوانين هو الوعى بها وتنفيذها.
من جانبه عرض هشام رجب عضواللجنة العليا للإصلاح التشريعى والمستشار القانونى لوزير التجارة والصناعة، أهم ملامح مشروع القانون الجديد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تم عرضه بشكل مبدئى على مجلس الوزراء لتلقى الملاحظات من الوزارات، ومن المتوقع أن يعرض على مجلس الوزراء بصورة نهائية خلال أسبوعين.
وقال رجب أن القانون الجديد يشجع الكيانات على تأسيس وإقامة شركات الشخص الواحد التى تم استحداثها فى التعديلات الأخيرة على قانون الشركات، ولن يخضع صافى الربح الناتج من العمل إلى الضريبة مرتين الأولى على الشركة والثانية على دخل الشخص نفسه، حيث يكون الخضوع لصافى الدخل مرة واحدة فقط.
وأشار رجب إلى وصول القانون الجديد لحل مشكلة التسجيل العقارى كشرط لحصول الشركة الصغيرة على تمويل بضمان العقار، لأن أغلب العقارات فى مصر غير مسجلة وهناك مصاريف تسجيل مرتفعة، وتم الوصول إلى حل قانونى يتضمن تخصيص العقار أو الأرض المخصصة للشركة الصغيرة باسم البنك أو الجهة الممولة مباشرة لحين سداد كامل القرض لتجاوز مشاكل التسجيل ومدة الرهن، لافتا إلى أنه فى حالة تعثر المشروع سيكون الممول سواء البنك أو الدائن له الأولوية فى الحصول على حقوقه قبل التأمينات والضرائب على عكس ما كان سائدا من قبل.
وقال مستشار وزير التجارة أن يجرى التشاور مع وزارة المالية حول الحوافز الضريبية التى سيتم منحها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقانون الجديد، لافتا إلى وجود حوافز ضريبية وحوافز غير ضريبية، بجانب تسهيلات لاستخراج ترخيص مؤقت للمشروع لحين حل كافة مشاكله لفترة مؤقتة 3 سنوات، وبصدور هذا الترخيص تتوقف كافة الإجراءات والدعاوى الجنائية ضد المشروع، كما منح القانون الجديد آلية مرنة لوزير الصناعة بالاتفاق مع وزير القوى العاملة لإعفاء بعض المنشآت من الالتزامات لتخفيف العبء عليها.
وشرح محمد الأهوانى المستشار القانونى لاتحاد بنوك مصر، طبيعة قانون الضمانات المنقولة الذى تم صدوره عام 2015، وتم الانتهاء من لائحته التنفيذية، ومن المقرر أن يبدأ العمل به الشهر الجارى، حيث يتيح رهن المنقولات مثل الآلات والمعدات وحتى ماكينة الخياطة، بدون نقل حيازتها إلى المرهون إليه "جهة التمويل"، وتظل موجودة لدى المصنع "المقترض" رغم رهنها، على عكس ما كان سائدا فى القانون المصرى الذى يسمح بانتقال حيازة المنقولات محل الرهن إلى الراهن "البنك او جهة التمويل" فى الوقت الذى يحتاجها المشروع فى الإنتاج، وبالتالى كان من الصعب رهن المنقولات لتوفير تمويل.
وأكد الأهوانى أن تطبيق قانون الضمانات المنقولة الجديد سيعالج العديد من المشكلات القديمة، من خلال خلق سجل إليكترونى لتسجيل رهن كافة المنقولات وليس فقط العقارات، تثبت حقوق الممول أو الدائن حتى يمكن للمشروع الصغير الحصول على الائتمان بضمان هذه المنقولات، وسيكون هذا الموقع أو السجل الإليكترونى تحت ولاية شركة I Score.
واكدت عبد اللطيف أن الحوافز الضريبية فى حد ذاتها ليست سيئة ولكنها غير مجدية كوسيلة لجذب القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى لأن هذه الشركات لا تدفع ضرائب بالأساس فى الاقتصاد غير الرسمى، وأكدت على أهمية اكتمال منظومة القوانين والتشريعات المنظمة لعمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر بصدور قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة الجديد.
وتابعت عبد اللطيف أن وجود الجهاز الحالى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التابع لوزارة التجارة معنى بالمشروعات ذات الصلة بالصناعة ولكن هذا لا يغنى عن وجود جهاز تنسيقى تابع لمجلس الوزراء يختص بوضع السياسات والاستراتيجيات ولا يختص بالتنفيذ أو الإقراض.