صرح مدير ادارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى مسعود أحمد، بأنه لا أحد يتوقع عـودة أسـعار النفـط إلى الرقـم الثلاثى "أعلى المائة دولار" فى المستقبل القريب، لذا يتعيـن علـى البلـدان المصـدرة للنفـط التكيـف مـع الواقـع الجديـد للأسعار بدلا مـن انتظـار نهايـة هـذه الفتـرة مـن الأسـعار المنخفضـة.
ولفت مسعود أحمد -فى مقال نشرته مجلة "التمويل والتنمية"، وهى مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولى- إلى أنه فى أوائـل عـام 1986، وفى أعقـاب اتخاذ بعـض أعضـاء منظمـة البلـدان المصـدرة للنفـط (أوبـك) قرارا بتنفيذ زيادة كبيرة فى المعروض مـن النفـط، سـجل سـعر النفـط هبوطـا حـادا مـن حـوالى 30 دولارا للبرميـل إلى نحـو 10 دولارات للبرميـل.
وأردف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى يقول "إن الوضع يتشابه الآن، فبعد 30 عاما تقريبا تواجـه الدول المصدرة للنفط هبوطـا مماثلا فى أسـعار النفـط —التى تراجعـت مـن حـوالى 110 دولارات إلى نحـو 30 دولارا للبرميـل بسـبب تباطـؤ النمـو العالمى، وزيـادة إنتـاج أوبك، والصلابة المدهشـة لإمـدادات النفـط الصخـرى".
وأضاف أنه فى العـام الماضى، تسبب انخفـاض أسـعار النفـط فى خسـارة البلـدان المصـدرة للنفـط فى منطقـة الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيـا 360 مليـار دولار، وهو ما يوازى حوالى سُـدس ناتجهـا الكلـى، مضيفا أنه مـن المتوقـع ازديـاد هذه الخسـارة خلال العـام الجارى، فى ظل تكـرار هبـوط أسـعار النفـط فى نهايـة 2015 وأوائـل 2016.
وأفاد المسئول بصندوق النقد الدولى، أنه فى ظل ما تواجهـه العديـد مـن بلـدان الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيـا مـن صراعـات عنيفـة وتنامـى لأزمـة اللاجئيـن، فمـن الضـرورى على هذه الدول توفيـق سياسـات موازناتهـا.
وأشار مسعود إلى أن البلدان المصدرة للنفط اتخذت قرارا بالتعقل فى استخدام مدخراتها المالية الضخمة للحد مـن تأثيـر انخفـاض أسـعار النفـط علـى النمـو، وهو الأمـر الـذى يتيح لهـا المزيد من الوقت لصياغـة خطـط التصحيـح، فقد سـجل نصـف البلـدان المصـدرة للنفـط فى منطقـة الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيـا عجـزا كبيـرا يتألـف مـن رقميـن كنسـبة مـن إجمـالى النـاتج المحلى فى عـام 2015، ولا سـيما الجزائر والبحريـن والعـراق وليبيـا وعُمـان والمملكـة العربيـة السـعودية.
وتابع أن البلـدان المصـدرة للنفـط فى منطقـة الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيـا مـن خـارج مجلـس التعـاون الخليجـى تعمل كذلـك علـى تعديـل سياسـاتها، فقـد قامـت الجزائـر بتجميـد التعيينـات وتخفيـض النفقـات الرأسـمالية، ورفعـت إيـران معـدل ضريبـة القيمـة المضافـة ووسـعت قاعدتهـا كمـا قامـت بتحسـين التحصيـل الضريبـى، ضمـن مجموعـة مـن التدابيـر الأخـرى، ما يمثل دفعـة أولى مهمـة علـى مسـار التصحيـح المالى المطلوب .
وتشـير بحـوث صنـدوق النقـد الـدولى إلى أن حكومـات منطقـة الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيـا، مـع إجـراء التعديلات الصحيحـة فى إدارة الاسـتثمارات العامـة، يمكنهـا تحقيـق نفـس النتائـج وتخفيـض إنفاقهـا بنسـبة 20%.
ونوه "مسعود" إلى أن إصلاح أسـعار الطاقـة قد يحقـق وفـورات كبيـرة بأكثـر مـن 70 مليـار دولار سـنويا فى دول مجلـس التعـاون الخليجـى فى عـام 2015 فقـط، ويعـود معظمهـا بالنفـع علـى ميسـورى الحـال، ، نظرا للتكاليـف الكبيـرة التى تتكبدها الدول للحفـاظ علـى أسـعار الطاقـة المحليـة منخفضـة.
ففى الإمـارات العربيـة المتحـدة يقـارب سـعر البنزيـن حاليـا السـعر قبـل الضريبـة فى الولايـات المتحـدة، كما رفعـت قطـر مؤخـرا رسـوم اسـتهلاك الكهربـاء والميـاه وأسـعار البنزيـن، وأعلنـت البحريـن والجزائـر والكويـت والمملكـة العربيـة السـعودية عـن خطـط لمواصلـة كبـح دعـم الطاقـة، كذلـك قامـت إيـران فى العـام الماضـى برفـع أسـعار الوقـود بدرجـة كبيـرة.
وأشار المسؤول الدولى الى أن التحـدى الأصعب الذى يواجه هذه الدول هو خلق وظائف للقـوة العاملـة الوطنيـة الشـابة المتوقـع أن تنمـو بنحـو 10 ملاييـن نسـمة علـى مـدار الأعـوام الخمسـة التاليـة، لافتا إلى أن عمليـة تطويـر القطـاع الخـاص لخلـق فـرص العمـل التـى لم تعـد الحكومـات قـادرة علـى توفيرهـا هى عمليـة محاطـة بالتحديـات، وسـوف تقتضـى توفيـر حوافـز قويـة للمواطنيـن للدخـول فى القطـاع الخـاص.
وأكد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى أن إحـداث التحـول فى الاقتصـادات المصـدرة للنفـط ليـس بالمهمـة السـهلة وسـوف يكـون بمثابـة مشـروع طويـل الأجـل، وسـيقتضى إعطـاء دفعـة مسـتمرة للإصـاح والتواصـل الجماهيـرى المـدروس بعنايـة، وينبغـى لصنـاع السياسـات أن يتذكـروا دائمـا المخاطـر الماثلـة فى المجالات الأخـرى مـن جـراء انخفـاض أسـعار النفـط.
وقال "إن النبـأ السـار فى هـذا الشـأن هـو تزايـد عـزم صنـاع السياسـات فى معظـم البلـدان المصـدرة للنفـط علـى توخـى منهـج اسـتباقى فى معالجـة هـذه التحديـات واسـتخدامها لإحـداث التحـول والتنـوع فى اقتصاداتهـا لبنـاء مسـتقبل اقتصـادى أكثـر قابليـة للاسـتمرار".