وسط شبح الحرب التجارية التى تلوح فى الأفق بين الصين الولايات المتحدة، تستعد بكين لإطلاق بورصة لعقود النفط الآجلة المقومة بعملتها المحلية "اليوان"، فى مسعى منها للحد من سيطرة الدولار الأمريكى على تسعير النفط الخام.
والصين أكبر مستورد للنفط فى العالم، حيث يبلغ متوسط صادراتها نحو 8.8 مليون برميل يوميا، وتسعى بكين لجعل اليوان عملة دولية لإجراء التبادلات التجارية وتسهيل التجارة البينية مع دول العالم واعتماد اليوان الصينى وعملة الدولة التى يتم التداول معها بشكل مباشر بدون وجود عملة وسيطة كالدولار.
البترويوان فى مواجهة البترودولار
ومع بدء تفعيل هذه البورصة الجديدة فإنه من المتوقع أن يظهر "البترويوان" -البترول الخام والنفط المباع بالعملة الصينية-، كمنافسا للبترودولار – البترول المباع بالدولار-، وذلك فى محاولة صينية لتقليل حدة الهيمنة الأمريكية والدولارية على التعاملات التجارية النفطية، حيث يعد الدولار العملة الوحيدة التى يتم بها تسعير البترول فى البورصات، وأسواق البترول الآجلة والفورية. وبالتالى يتم جميع التبادل التجارى (عقد العقود طويلة الأجل للبترول) بين المصدرين والمستوردين بالدولار، وهو ما أظهر مصطلح البترودولار.
وبحسب موقع "زيروهيدج" المصرفى الأميركي، فإن عقود النفط الآجلة التى ستباع باليوان فى هذه البورصة ستكون من أهم مؤشرات أسعار النفط فى آسيا، وربما سينافس مؤشرها مؤشرات أسعار خام برنت وخام غرب تكساس، اللذين يهيمنان على مؤشرات أسعار النفط فى العالم، وذلك نظراً لأهمية السوق الصينى فى استهلاك النفط.
ويستمد الدولار الأمريكى قوته من النفط، منذ أن بدأ تسعير البترول بالدولار الأمريكى فى عام 1974 ، ثم بدأ يكتسب المزيد من القوة حتى أصبح عملة التسوية الوحيدة فى العالم، فى مختلف التعاملات التداولية والتجارية.
هل تستطيع الصين التأثير على الدولار فى السوق العالمى؟
وتحاول الصين أن تغازل الدول التى تستورد منها النفط أو المنتجات البترولية بتسهيلات من أجل الاعتماد على اليوان الصينى بدلا من الدولار، واقترحت الصين على السعودية تسعير الواردات الصينية من البترول السعودى باليوان حيث يمثل النفط السعودى نحو 15 % من واردات الصين البترولية خلال عام 2016.
فى خطوة سابقة وقعت كلا من بكين وموسكو عقودا نفطية ضخمة منذ عام 2014 يتم التداول فيما بينهما بالعملات المحلية الروبل الروسى واليوان الصينى، وهو ما يعتبر من المحاولات المبكرة لعملية تهديد قيمة الدولار فى السوق العالمية، فبموجب هذا الاتفاق بين البلدين تحصل الصين على النفط من روسيا لمدة 30 عامًا و يتم دفع مصاريف الصفقة بالعملات المحلية.
وعلى الأقل يمكن لكلا من إيران وفنزويلا الاستفادة من تلك الخطوة عن طريق التعامل باليوان الصينى بدلاً من الدولار للتحايل على أى عقوبات أمريكية، وأعلن الرئيس الفنزويلى إن بلاده ستبيع النفط بعملات غير الدولار من بينها اليوان الصينى والين اليابانى والروبل الروسى والروبية الهندى وغيرها.
وتملك فنزويلا أكبر احتياطى مثبت للنفط فى العالم وهى مصدر لـ8% من واردات الولايات المتحدة من النفط الخام وتحتل بذلك المرتبة الثالثة للدول المزودة لهذا البلد بعد كندا والسعودية. وتنتج حاليا نحو 1.5 مليون برميل يوميا.
تعتبر هذه البورصة طوق النجاة للدول التى تجد صعوبة فى توفير الدولار الأمريكى كعملة رئيسية للاستيراد، بالإضافة إلى الدول التى تفضل تجنب استخدام الدولار فى تعاملاتهم النفطية رغبة منها فى تقوية عملاتها المحلية أمام الدولار.
وتصل قيمة تجارة النفط العالمية حوالى 1.73 ترليون دولار سنوياً وتعد من أهم العوامل التى تدعم سعر صرف الدولار عالمياً وترفع الطلب عليه كـ "عملة احتياط"، تحتاجها الدول لتسوية مشتريات الوقود ومشتقات الطاقة الأخرى.
والصين ليست فقط من أكبر الدول المستوردة للنفط، ولكن شركات مثل "بتروتشاينا"، كذلك من أكبر تجار المشتقات فى الأسواق الآسيوية.
ويرى محللون أن إنشاء مثل هذه البورصة سيضعف آليات الحظر الأميركى التى تعتمد على الدولار، كما أن هذه العقود سترفع من حصة اليوان الصينى فى سوق تسوية الصفقات التجارية مقابل كل من الدولار واليورو، وهما العملتان اللتان تسيطران على تجارة تسوية الصفقات فى العالم.
وبحسب موقع أويل برايس فإن بكين مستمرة في إطلاق بورصتها الجديدة بمزيد من الحذر ، تحسبا لأى فشل بعد إطلاق تجربتها الأولى فى هذا الصدد عام 1993 وفشلت فى غضون عام بسبب تقلب الأسعار الذى لا يمكن السيطرة عليه.
وتحاول الصين الحد من قيمة الدولار باعتباره العملة الوحيدة فى العالم ، وهى جزء من إستراتيجية بكين للنهوض بالبلاد، عن طريق جعل اليوان عملة دولية بحسب الموقع.