تلعب تنافسية المقصد السياحى دورا مهما فى زيادة الحركة السياحية الوافدة وجذب الاستثمارات الأجنبية، وترتبط تنافسية المقصد السياحى بميزات تنافسية عدة منها الموارد الطبيعية والثقافية والبشرية، والإطار التنظيمى لقطاع السفر والسياحة من قواعد وضوابط تنظيم عمل القطاع السياحى، إضافة إلى الأمن والأمان وإجراءات الصحة والسلامة وبيئة الأعمال السياحية والبنية التحتية اللازمة لتشغيل القطاع السياحى.
تراجع تنافسية مصر السياحية من 2011 حتى 2017
رغم ما تتميز به مصر من تنوع فى مواردها الطبيعية والثقافية والبشرية، إلا أن تنافسية مصر السياحية قد تراجعت بمعدلات كبيرة، خاصة خلال الفترة من 2011 حتى 2017، وذلك لعدة أسباب تتمثل أهمها فى بيئة الأعمال السياحية الداخلية والخارجية، التى ما زالت فى حاجة ماسة لمزيد من التحسين والتطوير، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو بيئية، ما له أكبر الأثر على تضاؤل الحركة السياحية الوافدة لمصر، ومن ثم التأثير السلبى على النمو الاقتصادى.
على الصعيد الآخر، فإن هناك دولا شهدت انتعاشا اقتصاديا خلال تلك الفترة، بفضل الاستغلال الأمثل لمقومات القطاع السياحى، وتفعيل إدارته بشكل فعال، ومن أشهر هذه الدول "إسبانيا" التى جاءت فى المرتبة الأولى فى تنافسية السياحة العالمية لعامى 2015 و2017، هذا ما تناوله بحث "تنافسية المقصد السياحى المصرى فى ضوء المؤشرات الاقتصادية العالمية خلال الفترة من 2010 حتى 2017 مع دراسة مقارنة بالمقصد السياحى الإسبانى"، الذى أعده محمد عطية أحمد، الباحث فى التراث العالمى وإدارة الأعمال، وعضو المكتب الفنى لوزيرة السياحة.
الدراسة تركز على أربعة مؤشرات اقتصادية عالمية
وركز البحث على عرض تحليلى لحركة السياحة المصرية ومدى تأثيرها على معدلات الاقتصاد المصرى، عبر أربعة مؤشرات اقتصادية عالمية، هى: "تقارير تنافسية السياحة والسفر الصادرة عن المنتدى الاقتصادى العالمى (دافوس)، ومؤشر الحرية الاقتصادية، ومؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، ومؤشر التنمية البشرية".
وقال الباحث محمد عطية، إن البحث اعتمد على "دراسة مقارنة" مع إحدى الدول المتقدمة اقتصاديا وسياحيا، هى إسبانيا التى تمتلك مقومات تاريخية وثقافية وطبيعية تتشابه إلى حد كبير مع المقومات المصرية، ورغم ذلك فإن المقصد السياحى الإسبانى بات فى الترتيب الأول عالميا، والمقصد السياحى المصرى فى الترتيب 74 عالميا، وهو ما لا يتناسب مع مقومات مصر التنافسية، مشيرا إلى أن هذه المقارنة ساعدت فى التعرف على أسباب حالة التراجع السياحى فى مصر، ومن ثم تعظيم الاستفادة من تجارب تلك الدول فى وضع آليات وخطط تساهم فى تعزيز الاستغلال الأمثل للموارد وتحقيق التنمية المستدامة للمقصد السياحى المصرى.
المقصد السياحى المصرى فى الترتيب 74 عالميا
وأضاف الباحث، أن مؤشر تنافسية السياحة والسفر لعام 2017 يتضمن مجموعة من المعايير الفرعية التى تحدد مدى تنافسية المقصد السياحى المصرى والإسبانى، وتندرج فى ثلاث مجموعات رئيسية هى: الإطار التنظيمى للسياحة، وبيئة الأعمال والبنية الأساسية، والموارد الطبيعية والثقافية والبشرية، وطبقا للمؤشر جاء المقصد السياحى المصرى فى الترتيب 74 عالميا، وذلك لأسباب منها تأخر تحسين البنية التحتية والأساسية البرية والجوية، وإجراءات الصحة والسلامة والأمن بالمقصد السياحى، وضعف ملاءمة بيئة الأعمال، وغياب الاستغلال الأمثل للموارد الثقافية والطبيعية وتعزيزها بخدمات سياحية، وكذا تنافسية الأسعار وقصور تنمية الموارد البشرية وتدريب العاملين فى القطاع السياحى.
وأشار الباحث فى دراسته، إلى أن مؤشر الحرية الاقتصادية خلال الفترة من 2010 حتى 2017 يبين مدى التغير الذى حدث للترتيب المصرى من المركز 125 فى عام 2016 والحصول على 56 درجة، إلى المركز 144 فى عام 2017 والحصول على 52.6 بين 180 دولة، وذلك بسبب تراجع مقاييس مهمة منها حرية الأعمال وحرية الاستثمار.
غياب تنمية الموارد البشرية وعدم الارتقاء بالتعليم الفنى وراء تراجع تنافسية مصر
ويتابع الباحث محمد عطية دراسته بالقول: "إن مؤشر سهولة ممارسة الأعمال يوضح أن مصر جاءت فى الترتيب 122عالميا من بين 190 دولة فى عام 2017، وهى مرتبة متأخرة إذا ما قورنت بعام 2010، إذ كانت مصر فى المرتبة 94، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها التأخر فى تطبيق معايير الحوكمة، وغياب تنمية الموارد البشرية، وعدم الارتقاء الأمثل بالتعليم الفنى والتدريب المهنى للنهوض بالقطاع السياحى، والإجراءات الروتينية التى تعرقل الاستثمار السياحى، وغياب تنظيم سوق العمل السياحية، وعدم مرونة القوانين والتشريعات التى تعزز أنشطة الأعمال، وغياب الاستثمار فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى يمكن تسويقها سياحيا.
وكشف مؤشر التنمية البشرية، أن مصر وصلت فى 2015 إلى الترتيب 108 عالميا، ثم 111 فى 2016/ 2017، وقد أثر ذلك على تنافسية السياحة المصرية، ومن أسباب ذلك استنزاف بعض الموارد الطبيعية بعدد من المحميات بالمحافظات السياحية، وانخفاض معدلات الرفاهية فى ظل زيادة السكان وانتشار العشوائيات وتهديدات الحالة الصحية وضعف جودة التعليم.
الدراسة تضع مقترحات لتحقيق التنمية المستدامة وانتعاش السياحة من جديد
وأكد الباحث محمد عطية، عضو المكتب الفنى لوزيرة السياحة، أن هناك مجموعة من التوصيات التى من خلالها يمكن تحقيق التنمية المستدامة للسياحة المصرية وانتعاشها من جديد، ومنها وضع استراتيجية واضحة المعالم للارتقاء بتنمية الموارد البشرية العاملة فى القطاع السياحى، والتسويق الإلكترونى، والترويج الفعال للسياحة المصرية داخليا وخارجيا، وتنمية الأنماط السياحية المستحدثة كالسياحة العلاجية والرياضية والمهرجانات والكهوف والتسوق بجانب الأنماط التقليدية.
وشدد "عطية" فى دراسته، على أهمية تطوير المقاصد السياحية ذات الميزة التنافسية، كمنطقة المنتزه بالإسكندرية ورشيد ومجمعات الأديان بالفسطاط وسانت كاترين، وإحياء مشروع تطوير مسار العائلة المقدسة فى مصر، مشيرا إلى ضرورة تفعيل وحدات إدارة الأزمة بالمقاصد السياحية لمواجهة أية مخاطر، وتفعيل التأشيرة الإلكترونية، والرقابة المتواصلة للتأكد من عدم مخالفة قواعد وضبط الأعمال المنظمة لقطاع السياحة والسفر، وتعزيز السبل الأمنية وتيسير المواصلات اللازمة بالمقاصد السياحية، وتحسين وتطوير البنية التحتية للنقل البرى والجوى والبنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وإطلاق قنوات تليفزيونية سياحية داخليا وخارجيا بمختلف اللغات، تتناول التعريف بشتى الأنماط السياحية، وتكثيف كل الجهود فى نشر الوعى السياحى لدى المجتمع للإلمام بأهمية صناعة السياحة.
يُذكر أن بحث "تنافسية المقصد السياحى المصرى فى ضوء المؤشرات الاقتصادية العالمية خلال الفترة من 2010 إلى 2017 مع دراسة مقارنة بالمقصد السياحى الإسبانى"، عُرض فى المؤتمر الدولى لقسم السياسة والاقتصاد بالتعاون مع مركز البحوث الأفريقية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، المنعقد تحت عنوان "السياحة المستدامة فى أفريقيا: الفرص والتحديات"، إذ تم استعراض مجموعة من الأبحاث العلمية التى تناولت السياحة المستدامة فى أفريقيا ومتطلبات تطبيقها، وأشرف عليها مجموعة من الخبراء فى المجال السياحى والتراث الثقافى والطبيعى وعلوم السياسة والاقتصاد.