شهدت معدلات التضخم – نسبة ارتفاع أسعار السلع والخدمات – تراجعًا ملحوظًا على مدار الـ9 أشهر الماضية، حيث سجلت نحو 35% فى شهر يوليو 2017، وهو ذروة المسار الصعودى للتضخم خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى، ليتراجع إلى نحو 13% فى شهر أبريل 2018، ومن المتوقع أن يقدم البنك المركزى المصرى فى اجتماع يوم الخميس القادم، على تثبيت أسعار الفائدة، وسط تقدم ملحوظ، فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، والإجراءات الجريئة التى اتخذتها الحكومة فى هذا الشأن.
وهناك عدة عوامل محلية فى مصر وخارجية على مستوى الأسواق الدولية، تؤثر خلال الفترة الحالية والمقبلة على مستويات التضخم فى مصر، تتمثل فى رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وزيادة استهلاك المصريين من السلع والمنتجات خلال شهر رمضان المبارك، إلى جانب توقعات رفع الدعم الخاص بالبنزين خلال يوليو المقبل، إلى جانب ارتفاع أسعار البترول عالميًا إلى نحو 75 دولارًا للبترول – خام برنت حاليًا 76 دولارًا - وأسعار السلع الأساسية عالميًا، إلى جانب قرار البنك الفيدرالى الأمريكى بشأن الفائدة على الدولار، حيث من المتوقع أن تلقى تلك العوامل على معدل التضخم فى مصر بارتفاع نسبته 2% على مستواه الحالى البالغ 13% لتصل إلى 15% خلال الربع الأول من العام المالى الجديد 2018 – 2019، أى خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2018.
وفى مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد 2018 – 2019، تشير التقديرات العالمية إلى استقرار أسعار خام بترول "برنت" فى 2018 عند نفس مستويات الأسعار المحققة خلال الربع الأخير من 2017 لتتراوح بين 60 – 70 دولارًا للبرميل، طبقًا للأسعار المستقبلية لعقود شراء "برنت" وتوقعات صندوق النقد الدولى والعديد من المؤسسات المالية الدولية، حيث تم إعداد الموازنة بافتراض سعر 67 دولارًا للبرميل، ففى حالة زيادة سعر البرميل بنحو 1 دولار للبرميل فمن المتوقع أن يكون لذلك أثر مالى سلبى على العجز الكلى المستهدف حيث أنه من المتوقع أن يترتب على ذلك تدهور صافى علاقة الخزانة مع هيئة البترول بنحو 4 مليارات جنيه والذى يمثل نحو 0.08 % من الناتج المحلى الإجمالى، الأمر الذى سيكون له مردود سلبى على الموازنة العامة للدولة من خلال الحد من الموارد المتاحة لتعزيز الانفاق الرأسمالى والاجتماعى وهو الأمر الذى ينطبق أيضًا على زيادة أسعار القمح والمواد الغذائية فى ضوء الارتفاعات التى تشهدها الأسعار العالمية مما سيكون له تأثير مباشر على زيادة مخصصات الدعم للمواد البترولية والكهرباء.
وتثبيت أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل هو الأرجح، فى ظل سياسة البنك المركزى المصرى لامتصاص أثر متوقع لارتفاع التضخم خلال الربع الأول من العام المالى الجديد أى خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2018، وفقًا لإجراءات وعوامل داخلية وخارجية، حيث يؤكد البنك المركزى المصرى على استهداف 13% معدلًا للتضخم بنهاية العام الجارى 2018، على أن تقل عن 10% خلال النصف الثانى من السنة المالية الجديدة 2018 – 2019.
ويعد الهدف الرئيسى لعمل البنوك المركزية، هو السيطرة على مستويات منخفضة من التضخم – معدل ارتفاع مستويات أسعار السلع والخدمات – والعمل على تحقيق استقرار الأسعار، وتعد أداة سعر الفائدة الأهم فى استراتيجيته ضبط الأسواق والأسعار.
وبعد إلغاء شهادة الإدخار ذات عائد 17% ثابت، يبحث المواطن عن أعلى عائد سنوى ثابت فى الوقت الحالى بالبنوك العاملة فى السوق المحلية، حيث يطرح البنك الأهلى المصرى، نيابة عن بنك الاستثمار القومى، أعلى عائد سنوى ثابت لشهادة استثمار ذات عائد 16.25%، ومن المتوقع استمرار طرح تلك الشهادة خلال الفترة المقبلة.
وعندما يلجأ البنك المركزى المصرى لرفع أسعار الفائدة فإن التأثير يكون جذب فوائض الأموال والمدخرات التى فى حوزة المواطنين، إلى الأوعية الإدخارية بأنواعها المختلفة بالبنوك، ومما يسهم فى تقليل حجم الكاش – النقدية – مع المواطنين وتقليل الطلب على السلع والخدمات وبالتالى انخفاض أسعارها أى خفض مستوى التضخم والذى يعد هدفًا أصيلًا للبنك المركزى، إلى جانب رفع تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك عند طريق أدوات الدين الحكومية – أذون وسندات الخزانة – مما يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة، ويرفع أيضًا من تكلفة اقتراض أصحاب الأعمال من الجهاز المصرفى، وبالتالى يقلل من التوسع الاستثمارى فى مصر.
وتعمل تلك الخطوة أيضًا على اجتذاب شريحة جديدة للتعامل مع القطاع المصرفى وتنمية الرقم الحالى الذى يبلغ نحو 10 ملايين مواطن، حيث يستهدف البنك المركزى والبنوك اجتذاب شريحة المواطنين، التى كانت لا تتعامل مع البنوك، وتشجيع ثقافة الإدخار فى إطار ما يسمى مصرفيًا بـ"الشمول المالى" أى زيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك.
وعلى العكس عندما يلجأ البنك المركزى إلى خفض أسعار الفائدة، فيؤدى ذلك إلى التوسع الاستثمارى بخفض تكلفة الاقتراض من البنوك إلى جانب تقليل تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك، وبالتالى يخفض من قيمة عجز الموازنة العامة للدولة، ويزيد حركة سحب المدخرات والودائع من الجهاز المصرفى، بما يرفع مستوى السيولة فى الاقتصاد وزيادة الطلب على السلع، وتنشيط الانفاق، وهو ما حدث بخفض 2% خلال الشهور الماضية من 2018، حيث يتبقى 6 اجتماعات للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، على مدار الفترة المتبقية من العام الجارى، متوقع خفض تدريجى بنحو 4% أخرى خلالها، مرجح أن تكون خلال الربع الثانى من السنة المالية الجديدة 2018 – 2019.