طرح محسن عادل، الخبير الاقتصادى ونائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، رؤية متكاملة لزيادة فاعلية مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، موضحًا أنه مع إعلان الدولة بدء تنفيذ مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان يثار جدال اقتصادى حول كيفية رفع فرص نجاح هذا المشروع الذى يعتبره كل من تابعه بأنه بمثابة تكوين جديد على أسس اقتصادية وتنموية لما يسمى "الريف المصرى الجديد".
وأوضح أن المشروع منذ بدايته لم تقتصر الرؤية فيه على استصلاح الأراضى ولكنها شملت منذ البداية سعيًا دؤوبًا لتكوين مجتمع تنموى اقتصادى متكامل يعتمد فى الأساس على المنتجات الزراعية وتصنيعها وإقامة مجتمعات عمرانية متكاملة معها تكون بمثابة امتداد وانتقال اقتصادى للوادى القديم دون أن تنفصل عنه لتحل بذلك مشكلة رئيسية واجهتها التجارب السابقة للزراعة الصحراوية تمثلت فى أن انفصالها عن مناطق الوادى القديم جعل العمالة بها ليست راغبة فى تكوين المجتمع العمرانى المستهدف إلا أن اختيار مناطق المشروع الجديد بالقرب من طرق تربطه بالوادى القديم وفى مواقع جغرافية قريبة من الوادى خاصة فى صعيد مصر سيساعد فى اجتذاب الفئات المستهدفة من العاملين والمزارعين فى الحصول على مسكن ملائم طبقا لاحتياجاتها وقدرتها على الدفع.
وأضاف أن مشروع المليون ونصف فدان بالتأكيد ليس استصلاح أراضٍ فقط، ولكن مشروع تنمية متكاملة، لخلق نموذج لمجتمع تنموى وخدمى متكامل الأنشطة سواء كانت زراعية أو صناعية أو خدمة فالدولة تسعى إلى خلق مجتمعات عمرانية تستوعب الزيادة السكانية .
وأوضح أنه قد بنيت فلسفة هذا المشروع منذ البداية علي استحداث تجمعات عمرانية جديدة بمجموعة متكاملة من الخدمات والمرافق وفتح آفاق جديدة لتنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائى وذلك من خلال بناء تجمعات عمرانية جديدة قائمة علي قواعد اقتصادية سليمة زراعية وصناعات تكميلية مع فتح آفاق جديدة لتصدير سلع ذات قيمة تنافسية واستخدام التكنولوجيا الحديثة والميكنة فى التنمية الزراعية والصناعية.
كشف نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار عن أن التحدى الأول للتنمية فى هذا المشروع فهو الانتقال بالتفكير التطبيق إلى نماذج تقوم على القدرة على المنافسة وتحقيق الربحية وبالتالى فإن التسويق محليا أو عالميا ليس ناتجًا وإنما هدف أساسى يحقق الربحية والاستدامة وبدون ذلك ستصبح التنمية عملية شديدة الصعوبة لافتقارها إلى عامل الاستدامة، أما التحدى الثانى والأخطر هو العنصر البشرى اللازم لمستويات الجودة الأزمة وبالتالى الربحية والقدرة على المنافسة والاستمرارية والتأهيل اللازم لتلك العناصر أيضا مهم جدا مما يضع عناصر الجذب للمشروع من الكوادر البشرية من الأهمية البالغة التى يجب إدراجها ضمن منظومة الأهداف الاستراتيجية لهذا فإن هناك ضرورة استراتيجية لتصميم برنامج تدريب وتأهيل للمشاركين فى المشروع وتدعيم إنشاء مدرسة ثانوية زراعية متخصصة وأكاديمية زراعية بالتعاون مع مؤسسات دولية ضمن المشروع.
وأكد أن وضع رؤية وأهداف واضحة للمشروع مع معايير واضحة للقياس زمنية وأدائية وليست أهدافا عامة كما أن اعتبارات مثل الربحية والاستمرارية والقدرة على المنافسة تمثل عوامل أساسية وليست اختيارية للمشروع ومن شأنها أن تحدد التصنيف الاستراتيجى للمشروع كمشروع تنموى وليس زراعيًا فقط.
وأضاف عادل أن العنصر الأكثر أهمية هنا هو أن وجود كيان مستقل يدير المشروع ويحقق أهدافه الاستراتيجية وينسق مع كل الجهات المعنية هو الحد الفاصل بين أن يكون المشروع نقطة انطلاق لمشاريع أخرى وبسرعة وكفاءة وبين أن يصبح المشروع عبئًا جديدًا يستلزم مجهودًا لمعالجة آثار فشله أو تعثره ومن المهم أن يكون لهذا الكيان ما يلزم من استقلالية تمكنه من إنفاذ ما يلزم لتحقيق الأهداف الموضوعة للمشروع وهو ما حققته الحكومة المصرية عندما أعلنت عن تأسيس شركة "الريف المصرى الجديد" وإقامة المشروع بنظام المناطق الاستثمارية كتطبيق جديد ورائد لتعديلات قانون الاستثمار المصرى.
وأوضح أن نموذج المشروع يجب أن يأخذ فى الاعتبار الموازنة بين مناخ الاستثمار الإقليمى والدولى لتحقيق التنافسية والقدرة على جذب الاستثمارات للمشروع واحتياجات الدولة المتوقعة من المحاصيل الزراعية والأنشطة الاقتصادية ذات الصلة بطبيعة المشروع وإتاحة فرص عمل بالإضافة إلى تأثير المشروع من الناحية الاقتصادية والناتج الإجمالى للدولة، كما يجب عدم إغفال الظروف المعيشية والمجتمعية والثقافية بين المناظق المختلفة مثل مناطق الصعيد مما يشير إلى أهمية عدم وجود نموذج موحد أو منمط للمناطق كلها بل نموذج تنموى مرن يتماشى مع طبيعة كل منطقة.
وأشار نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار إلى أنه فى حالة تحقيق هذه الرؤية التنموية فإن هذا المشروع سيتاح له أن يصبح رمزا للتغيير لمستقبل أفضل فى مصر عن طريق إعادة التوزيع الجغرافى والربط السليم فى المخطط العمرانى لمصر بما يحقق تنمية إقليمية متوازنة تحد من المركزية الشديدة لإقليم القاهرة الكبرى والمدن الكبرى بمصر بحيث يكون التوزيع السكانى مرتبطًا بالموارد الطبيعية المتاحة فى سبيل الارتقاء بنوعية وجودة الحياة داخل المستقرات العمرانية الجديدة.
وكشف عن أنه يحقق هذا البعد التنموى الإدارة المتكاملة للموارد فى تنمية المستقرات الجديدة لخلق فرص العمل والسكن المناسبة مع زيادة الاعتماد على موارد الطاقة الجديدة والمتجددة والطاقة النظيفة واستحداث بيئات سكنية جديده تتناسب مع مقومات وإمكانات مصر الهائلة، تعتمد على مواد البناء المحلية والتقنيات الجديدة والمتوافقة مع البيئة.
وأوضح عادل أن هناك نقطة أخيرة كانت الأكثر إثارة للجدل فى هذا المشروع وهى مصطلح قيم حديث فى مصر يسمى "اقتصاديات المياه" وكيفية تحقيق أعلى قدر من الاستفادة منها لهذا ففى ضوء الأوضاع الحالية التى تواجه قطاع المياه فى مصر ويرى أنه أصبح من الضرورى تكوين لجنة عليا أو مجلس أعلى لتحديد السياسة المائية لمصر خلال الخمسين عاما القادمة وتحديد البدائل المتاحة لعمليات استخدام المياه ورفع القيمة المضافة منها وآليات ترشيد الاستهلاك ووضع اقتصاديات لتحلية المياة وتطوير نظم الرى والصرف فى مصر بالإضافة إلى تحديث المنظومة الحالية لمياة الشرب ووضع بدائل جديدة لمعالجة مياة الصرف وتحديد آليات الاستفادة من مياه الأمطار والخزان الجوفى المصرى وربط التوسعات العمرانية بهذه الاستراتيجية.