قال شريف سامى الخبير المالى والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، أن مشروع القانون المقدم من البنك المركزى ووزارة المالية بعد مناقشته بالمجلس القومى للمدفوعات يأتى فى إطار السعى لتحقيق المزيد من الشمول المالى فى مصر ويتفق مع التوجهات العالمية فى تبنى السياسات التى تقلل التعامل النقدى (الكاش) وتشجع استخدام الأدوات المالية المصرفية وغيرها من وسائل ونظم الدفع.
كان مجلس الوزراء قد وافق خلال اجتماعه الأسبوع الماضى على أول مشروع قانون فى مصر لتنظيم استخدام الدفع غير النقدى، ومن المنتظر إحالته إلى مجلس النواب قبل نهاية هذا العام لمناقشته.
وأضاف سامى أن المجتمع المصرى يعتمد بدرجة كبيرة على السداد النقدى فى معاملاته، لذا فإنه لأغراض الكفاءة الاقتصادية والحد من مخاطر السرقات وتخفيض تكلفة طباعة البنكنوت والمساعدة فى مكافحة التهرب الضريبى وغسل الأموال فإنه مطلوب التحول بصورة كبيرة للتعامل اللانقدى. كذلك تظهر تقديرات المؤسسات المالية العالمية أن التوسع فى الشمول المالى فى مصر وزيادة الاعتماد على وسائل الدفع غير النقدية يمكن أن يساهم فى نمو الناتج المحلى الإجمالى بنحو 5% إلى 7% للدول المصنفة فى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط ومن ضمنها مصر. لكل هذه الأسباب فقد أصبح من الضرورى توجيه المنشآت والأفراد فى مصر إلى التعامل اللانقدى.
وأوضح شريف سامى أن المشروع الكامل للقانون لم يطرح للحوار مع المتخصصين بشكل موسع، إلا أنه يتضمن تحديداً لأنواع المعاملات التى لا يجوز إجراءها نقداً إضافة إلى إتاحة المجال لتقديم حوافز إيجابية تشجع المواطنين على تبنى التعاملات المالية غير النقدية. ولفت إلى أن الاسم المقترح لمشروع القانون ربما يكون غير معبراً عن مضمونه، فهو لا ينظم استخدام وسائل الدفع بمختلف أنواعها بقدر ما ينظم التعامل النقدى والحالات التى لا يجوز فيها استخدام النقد السائل. لذا فاقتراحه أن يطلق عليه "قانون تنظيم السداد النقدى".
ونوه إلى أنه من المهم الحرص على تخفيض تكلفة استخدام أدوات الدفع بأكبر قدر ممكن، وهى من أسباب إحجام شريحة كبيرة من المواطنين عن استخدامها، وكذلك العمولات أو المصروفات المرتبطة بالتعامل ببطاقات دفع صادرة من بنك مختلف أو الممارسة السلبية لبعض المنافذ الاستهلاكية برفع الثمن المطلوب من العميل حال استخدام بطاقة ائتمان أو خصم عند السداد. وذلك على الرغم من أنه عند السداد من خلال شيك مصرفى فإنه لا يتم زيادة قيمة السلعة أو الخدمة المباعة بمقابل مصروفات التحصيل بالبنك.
ولفت إلى أن مجموعة العشرين ( G20 ) فى اجتماعها السنوى أقرت مجموعة من مؤشرات الشمول المالى من ضمنها مؤشر عدد المعاملات غير النقدية للأفراد لكل ألف من سكان الدولة. حيث يتم قياس عدد التعاملات التى يتم سدادها من خلال الشيكات ونقاط البيع وبطاقات الائتمان والخصم والتحويلات من خلال الهاتف المحمول وغيرها.
وأشار إلى أن تقديرات البنك الدولى ودراسات العديد من المؤسسات تؤكد أن التكنولوجيات الرقمية تتيح – عالمياً - إمكانية ضم مليارين من البالغين غير المتعاملين مع البنوك إلى النظام المالى الرسمي. كما أنها تيسر كثيراً الحصول على خدمات التوفير، وإجراء المدفوعات، والحصول على الائتمان و التأمين، وكلها عوامل تساعد الأفراد على إدارة أفضل لأمورهم المالية والتعامل مع حالات الطوارئ غير المتوقعة.
ومازالت هناك فجوة كبيرة بين الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة فى الإعتماد على وسائل الدفع المختلفة بخلاف النقد. فعلى سبيل المثال 90% من المعاملات فى استراليا تتم من خلال بطاقات ائتمان أو خصم ونظم دفع الكترونية، وتبلغ تلك النسبة 73% فى بريطانيا و 64% فى الولايات المتحدة الأمريكة. وعلى النقيض نجد أن 78% من المعاملات نقدية بالهند ، وتركيا 60% والصين 47%.
ويرى شريف سامى أن قطاع الخدمات المالية فى مصر يحتاج لمضاعفة استثماراته فى مجال البنية التكنولوجية المالية وإتاحة نظم الدفع الالكترونية. وذلك على الرغم مما تم إنجازه حتى الآن، حيث تشير أرقام البنك المركزى المصرى إلى أنه فى مصر حالياً يوجد أكثر من 12 ألف وحدة صراف آلى وصدرت نحو 30 مليون بطاقة ائتمان أو خصم أو مدفوعة مسبقاً إضافة إلى وجود 75 ألف نقطة بيع بالمنافذ التجارية والخدمية. كما تتضمن الإحصاءات تحويل نحو 4 مليار جنيه من خلال الهواتف المحمولية.
وأوضح أن المنظومة التشريعية فى مجال التقنية المالية وتحقيق الشمول الرقمى وزيادة الثقة فى نظم الدفع والخدمات الالكترونية أصبحت أكثر تقدماً فى مصر، وذلك بعد إصدار هذا القانون ومن قبله أول قانون مصرى لمكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018) وسبقه منذ سنوات قانون التوقيع الالكترونى. ويتبقى الآن إصدار قانون لتنظيم خدمات الدفع الالكترونى سواء جاء فى صورة قانون مستقل أو كأحد الفصول ضمن قانون البنك المركزى والبنوك الجديد الجارى إعداده، إضافة إلى أهمية العمل على صياغة وإصدار قانون لتنظيم التجارة الالكترونية.
وتأتى أهمية التجارة الالكترونية فى ضوء ما أظهرته أرقام الاتحاد العربى للتجارة الإلكترونية من أن المتاجرة الإلكترونية العربية تستحوذ على 10% من التعاملات الالكترونية فى المنطقة فيما يذهب 90% من تلك التجارة بما يعادل 27 مليار دولار إلى خارج المنطقة العربية لشركات عالمية حيث تمثل التجارة الإلكترونية نحو 1% فقط من حجم التجارة فى الوطن العربي، بينما تشير الإحصائيات أن التعداد السكانى يزيد عن 400 مليون نسمة بالدول العربية من بينهم نحو 185 مليون نسمة مستخدمى للإنترنت .