تراجعت أسعار الحديد فى السوق المصرى بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية بقيم تتراوح بين 200 – 600 جنيه للطن، وكان السبب الرئيسى وراء هذا التراجع هو انخفاض الأسعار العالمية للبيليت وهو الخام المستخدم فى صناعة حديد. فهل هناك علاقة بين انخفاض الأسعار المحلية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟
بداية اندلاع الحرب التجارية التى أشعلها ترامب كان دافعها الرئيسى بحسب ما أعلنه الرئيس الأمريكى هو حماية الأمن القومى وبموجب هذا الدافع – البعيد كل البعد عن قواعد منظمة التجارة العالمية – فرض ترامب رسوم حماية على واردات دولته من الصلب بواقع 25% ومن الألومنيوم بنسبة 10%، لتشغيل المصانع الأمريكية، وهو ما كان له أبلغ الأثر على وجود فائض كبير سواء من حديد التسليح أو من خام البيليت عالميا.
وتشير بيانات الرابطة الدولية للصلب التى يمثل أعضائها أكثر من 85% من مصنعى الصلب فى العالم، أن إنتاج العالم من الصلب الخام فى 64 دولة قدمت تقاريرها إلى الرابطة فى شهر نوفمبر الماضى، 148.6 مليون طن، أى بزيادة قدرها 5.8% مقارنة بشهر نوفمبر من العام الماضى.
وبحسب البيانات الصادرة قبل أيام، بلغ إنتاج الصين من الصلب الخام فى نوفمبر 2018 77.6 مليون طن، بزيادة قدرها 10.8٪ مقارنة بشهر نوفمبر 2017، وأنتجت اليابان 8.7 طن من الصلب الخام فى نوفمبر 2018 بانخفاض قدره 0.5٪ مقارنة مع نوفمبر 2017، فى حين بلغ إنتاج كوريا الجنوبية 5.9 طن من الصلب الخام هذا الشهر مرتفعًا بنسبة 1.1٪ فى نوفمبر 2017.
وفى الاتحاد الأوروبى، أنتجت فرنسا 1.4 مليون طن من الصلب الخام فى نوفمبر 2018، بزيادة قدرها 12.8٪ مقارنة بشهر نوفمبر 2017، وبلغ إنتاج الصلب الخام الإيطالى فى نوفمبر 2018 ما حجمه 2.2 مليون طن بانخفاض 1.0٪ مقارنة بنوفمبر 2017، وأنتجت إسبانيا 1.3 مليون طن فى نوفمبر 2018 بانخفاض نسبته 0.7٪ عن عام 2017، وأنتجت البرازيل 2.8 طن من الصلب الخام فى نوفمبر 2018 بانخفاض 6.1٪ فى نوفمبر 2017.
وارتفع إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى 7.4 مليون طن من الصلب الخام فى نوفمبر 2018، بزيادة قدرها 11.8٪ مقارنة بشهر نوفمبر 2017، وبلغ إنتاج تركيا من الصلب الخام فى نوفمبر 2018 حوالى 3.1 مليون طن بانخفاض نسبته 2.1٪ مقارنة بشهر نوفمبر 2017، فى حين بلغ إنتاج الصلب الخام فى أوكرانيا 1.7 مليون طن هذا الشهر بانخفاض 11.2٪ فى نوفمبر 2017.
من واقع البيانات المذكورة نجد أن هناك زيادة فى إنتاج الصلب، وهو ما دفع الأسعار إلى التراجع عالميا سواء بالنسبة لحديد التسليح او خام البيليت المستخدم فى الصناعة، وتشير بيانات الأسعار العالمية للبيليت فى بورصة المعادن الأحد، أن الأسعار تتراوح ما بين 423 – 440 دولار للطن، وهو ما يستوجب بالضرورة تراجع الأسعار المحلية التى تعتمد على استيراد خام البيليت من الخارج، نتيجة انخفاض تكلفة التصنيع، بما يعود على المستهلك بالأثر الإيجابى من خفض الأسعار.
وتعانى الصناعة المحلية فى مصر من بعض المشكلات التى يصفها مصنعو الصلب المحليين، أنها تتمثل بالأساس فى ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلية متمثلة فى ارتفاع أسعار الطاقة، حيث تحصل المصانع على الغاز بسعر 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية وهو أعلى من السعر العالمى، بخلاف المشكلات الأخرى التى يعانى منها قطاع الصناعة بشكل عام والمتمثلة فى ارتفاع أسعار الأراضى وارتفاع نسبة الفوائد البنكية وهو ما يقلل فرص التوسعات المحلية أو القدرة على التصدير لصعوبة المنافسة خارجيا فى ظل زيادة أعباء وتكلفة الإنتاج المحلى فى مصر.
وفى الآونة الأخيرة ظهرت شكاوى من دخول الحديد السعودى بكميات كبيرة تؤثر على الصناعة المحلية، ولكن واقع البيانات التى حصلت عليها انفراد من ميناء دمياط توضح أن إجمالى الكميات التى دخلت مصر من الحديد السعودى من بداية 2018 هى إجمالى 240 ألف طن فقط، مقسمة كالآتى: 160 ألف طن حديد سابك السعودى، و50 ألف طن من مصنع الأرجحى، و30 ألف طن من مصنع الوفاق السعودى.
وبالنظر إلى حجم الإنتاج المحلى فى مصر والمقدر بحوالى 7 – 8 ملايين طن سنويا، فإن كميات الحديد السعودى التى دخلت مصر لا تشكل سوى 3.5% فقط من حجم إنتاج مصر سنويا من الحديد الصلب.
وتشير بيانات الرابطة العالمية للصلب الصادرة فى شهر أغسطس الماضى، لتصدر مصر المرتبة الأولى فى الشرق الأوسط من حيث إنتاج الحديد الصلب والذى بلغ 3.7 مليون طن خلال النصف الأول من عام 2018، بنسبة نمو سنوى قدرها 13.1%، فى حين بلغ إنتاج السعودية من الحديد خلال الستة أشهر 2.5 مليون طن بنسبة نمو سنوى قدرها 1%.
زيادة المعروض العالمى سواء من الحديد أو البيليت نتيجة الحرب التجارية، يزيد من الفرص أمام المستهلك المصرى للاستفادة من تراجع الأسعار، ولكن ما تحتاج إلى الصناعة المحلية فى الوقت الراهن هو تخفيض تكلفة الإنتاج حتى تنافس بصورة أكبر فى السوق العالمى، وتنافس أيضا فى السوق المحلى دون الحاجة إلى فرض رسوم على الواردات من الحديد.