صعد الجنيه الليلة الماضية بنحو ستة قروش مقابل الدولار الأمريكى ليعزز مكاسبه التى بلغت ما يزيد عن 11% منذ بداية 2019 مسجلا أعلى مستوياته فى نحو ثلاث سنوات فى ظل تباين توقعات المحللين لأدائه فى 2020.
ويرجع الارتفاع إلى الانعكاسات الإيجابية للاتفاق التجارى بين الصين والولايات المتحدة مما أسهم فى تدفق أموال الصناديق الدولية بغزارة للأسواق المالية العالمية ومنها السوق المصرية التى اجتذبت نحو 490 مليون دولار استثمارات من صناديق الاستثمار الدولية.
وقال محمد أبو باشا كبير محللى الاقتصاد الكلى لدى المجموعة المالية هيرميس لرويترز "العائد على الأذون والسندات مازال مرتفعا نسبيا ومغريا للمستثمرين الأجانب خاصة فى ظل انخفاض معدل التضخم.
وارتفع سعر الجنيه نحو 199 قرشا مقابل الدولار الأمريكى منذ مطلع العام الجارى.
وتجذب مصر بين حين وآخر استثمارات أجنبية فى أدوات الدين الحكومية القصيرة الأجل، لكن هذه الاستثمارات تتذبذب خروجا ودخولا فى المعتاد، ولم تستطع مصر بعد جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنفس أرقام ما كانت عليه قبل انتفاضة يناير 2011.
وقال مدير قطاع الخزانة بأحد البنوك الحكومية والذى طلب عدم نشر اسمه لرويترز "ارتفاع الجنيه يعود إلى التدفقات النقدية للأجانب قبل بداية عطلات أعياد الميلاد.
"التدفقات النقدية للأجانب في شهر ديسمبر غير معتادة ولكنها جاءت هذا العام قبل بداية العطلات بسبب تراجع سعر الفائدة فى تركيا بنحو 2% منذ أيام بالإضافة إلى الاتفاق الأمريكى الصينى وكلها عوامل زادت من جاذبية السوق المصرية".
واعتاد البنك المركزى على أن يعزو المسار الصاعد للجنيه أمام الدولار منذ يناير إلى زيادة التدفقات النقدية الدولارية، فى حين يقول بعض المصرفيين إنه نتاج تدخل مباشر من البنك المركزى، الأمر الذى ينفيه الأخير.
وقال عمرو الألفي رئيس قطاع البحوث فى شعاع لتداول الأوراق المالية عن أحدث صعود للعملة المصرية "الجنيه يواصل ارتفاعه المسجل فى الآونة الأخيرة، وقد نراه عند مستوى 15.50 جنيه قبل أن يبدأ فى التراجع فى نهاية 2020".
وقالت رضوى السويفي رئيسة قطاع البحوث في بنك الاستثمار فاروس إن إيرادات السياحة واستثمارات الأجانب فى أدوات الدين ربما تمثلان السبب الأساسى فى ارتفاع الجنيه، متوقعة أن يصل متوسط سعر الجنيه مقابل الدولار إلى 16.37 جنيه فى 2020.
كان البنك المركزى المصرى حرر سعر صرف الجنيه فى نوفمبر 2016، عندما كان سعره 8.88 للدولار، فى إطار برنامج إصلاح اقتصادى ارتبط بقرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولى. وسجلت العملة أضعف مستوياتها عقب تحرير سعر الصرف عند 19.62 فى ديسمبر 2016.
وقال ولي الدين لطفى نائب العضو المنتدب فى بنك كريدى أجريكول مصر "كل المؤشرات تشير إلى أن البلد تسير على الطريق الصحيح ثمار الإصلاح بدأت فى الظهور... كل الدلائل تشير إلي تحسن موقف الجنيه مقابل الدولار، بشكل عام معدل العائد مقابل المخاطر فى مصر يُعتبر جاذبا للاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين العام مقارنة بالأسواق الناشئة المنافسة".
وأبلغ محمد معيط وزير المالية المصري رويترز فى سبتمبر الماضى أن صافى استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية بلغ 20 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف وحتى نهاية أغسطس.
ولم تعلن مصر منذ ذلك الحين أى أرقام حديثة لاستثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية.
وقالت مونيت دوس محللة الاقتصاد الكلى وقطاع البنوك فى إتش.سى "ننظر لارتفاع الجنيه مقابل الدولار على نحو إيجابى كمؤشر لاستمرار تدفقات العملة الأجنبية على الاقتصاد المصرى.
"يرجع ذلك بالأساس إلى قطاع السياحة سريع النمو وتحول مصر إلى مُصدر صاف للنفط وتدفقات مستدامة على سندات الخزانة المصرية رغم تراجع أسعار الفائدة".
وزادت إيرادات السياحة المصرية 28.6% فى السنة المالية 2018-2019 لتصل إلى 12.6 مليار دولار مقارنة مع 9.8 مليار في 2017-2018، وفقا لبيانات البنك المركزى.
وتابعت دوس "بالنظر إلى المستقبل، نعتقد أننا سنرى انخفاضا بنسبة 5% في الجنيه المصري بسبب فارق التضخم بين مصر وشركائها التجاريين... نتوقع أن يبلغ التضخم في مصر حوالي 8% (في 2020) بينما سيسجل 2% لدى الشركاء التجاريين.
"التراجع المستمر في أسعار الفائدة قد يفضي أيضا إلى تدفقات منخفضة نسبيا على سوق الدين المصرية، هذان العاملان قد يعوضهما عمليا إنتاج بترولي وتدفقات أجنبية مباشرة وسياحة أعلى من المتوقع".
شهد الاقتصاد المصري معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة الماضية مع انخفاض عجز الموازنة وتحقيق فوائض أولية لكن صاحبت ذلك زيادة الدين الخارجي 17.3% إلى 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران الماضي ليعادل 36% من الناتج الإجمالي في 2018-2019.
وقال إيهاب رشاد نائب رئيس مجلس إدارة مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية "أي تراجع في سعر الدولار يقلل من تكلفة سداد الديون الخارجية".
وارتفع إجمالي الدين المحلي إلى 4.20 تريليون جنيه بما يعادل 79% من الناتج الإجمالى في نهاية مارس، وهو أحدث رقم متوافر، مقارنة مع 3.70 تريليون جنيه في نهاية يونيو حزيران 2018 أو 83.3% من الناتج الإجمالي.
وأضاف رشاد "ارتفاع الجنيه مقابل الدولار لن ينعكس بشكل سريع علي الأسعار مثلما حدث عند انخفاضه وقت تحرير سعر الصرف ولكن سيحتاج لمزيد من الوقت حتي يشعر المواطن بتراجعه... أتوقع ارتفاع الجنيه إلى نطاق 15.7 جنيه مقابل الدولار في 2020".
ويشكو المصريون، الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، من صعوبات في تلبية الحاجات الأساسية بعد قفزات متتالية في أسعار الوقود والدواء والمواصلات وجميع السلع والخدمات إثر برنامج إصلاح اقتصادي نفذته مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي منذ أواخر 2016 وحتى يونيو الماضي.
وزادت نسبة الفقر في مصر خلال 2017-2018 إلى 32.5% من 27.8 % في 2015، ويبلغ خط الفقر 8827 جنيها للفرد في السنة وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.