قال مرشح مصر لمنصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية عبد الحميد ممدوح إن مشكلات المنظمة تحتاج لوضوح الهدف والرغبة لدى الدول لإيجاد الحلول ، وسبب ترشحه يعود إلى إيمانه الشديد بالنظام التجارى العالمي، خاصة فى ظل خبرة طويلة امتدت منذ عام 1985 عندما عمل كمفاوض لمصر لدى الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)،حتى قيام المنظمة فى عام 1995.
وأضاف ممدوح - فى تصريح خاص إلى مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ) فى جنيف - أن الإيمان بالنظام التجارى العالمى نابع من قيم عدم التفرقة والمنافسة العادلة والشفافية فى الإجراءات، مشيرًا إلى أن تلك القيم هى ما تم الحياد عنه برغم أن أسسها موجودة فى اتفاقية مراكش التى قامت عليها المنظمة العالمية وكذلك فى كافة الاتفاقيات الفرعية التى تلت ذلك.
ولفت الخبير التجارى الدولى والمرشح مصريًا وإفريقيًا لمنظمة التجارة العالمية عبد الحميد ممدوح إلى أنه وعند انتقاله كمستشار قانونى للجات، عهد إليه بصياغة أول اتفاقية دولية للتجارة فى الخدمات، وهو ما رسخ خبرة طويلة خاصة باعتبارها كانت البداية للنقاش فى إجراء أكبر إصلاح فى النظام التجارى العالمى من خلال جولة الأوروجواى الشهيرة والتى حولت الجات إلى منظمة التجارة العالمية والانتقال من معاهدة صغيرة للتعريفات الجمركية إلى منظمة كبيرة وذلك فى 7 سنوات.
وتابع ممدوح أن هذا الإطار الفكرى التجارى هو ما يجب أن يكون واضحا عند النظر لهيكلة النظام التجارى والمشكلات التى يواجهها وتشخيصها تماما كما جرى فى عام 1985، منوهًا بأن ذلك يضاف إليه عنصر مهم للغاية وهو وضوح الهدف والرغبة لدى الدول الأعضاء فى حل هذه المشكلات، لأن ذلك فى صالح الجميع خاصة وأن التجارة الدولية اليوم تلعب دورا كبيرا فى النمو الاقتصادى والتنمية على السواء وبما يستدعى وجود استقرار وتعزيزه للعلاقات التجارية بين الدول وأيضًا الفرص المتاحة والتعريفات وغير ذلك بما يتضمنه من شروط تنظيمية، وهذا كله هو ما يقوم عليه الاستثمار الذى تبحث عنه كافة الدول اليوم.
وأوضح ممدوح أنه وإن كانت المشكلات التى تواجهها التجارة العالمية اليوم مختلفة عما كان عليه الأمر وقت جولة الأوروجواى التجارية، إلا أن منهج الفكر الإصلاحى والتشخيص ووضع أطر تفاوضية وصياغة المسائل القانونية يبقى هو الطريق.
وتناول عبد الحميد ممدوح - فى تصريحاته - ما يثيره البعض حول ضرورة أن يكون المرشح وزيرا سابقا، فأكد أن المعايير التى حددتها الدول الأعضاء لم تشر إلى ذلك من قريب أو بعيد، إضافة إلى أن الاتفاقية متعددة الأطراف، وهى اتفاقية لتيسير التجارة، كما أن مدير عام منظمة التجارة العالمية لم يكن وزيرا سابقا.
وشدد ممدوح على ضرورة أن يكون هناك فهم واضح لطبيعة وظيفة مدير عام المنظمة والتى تختلف عن باقى المنظمات الدولية، إذ لا توجد بها وظائف تنفيذية لما تقوم به الدول الأعضاء، ودورها تسجيل الاتفاقيات ومساعدة الدول فى صياغة الاتفاقيات القانونية وحل المنازعات وغير ذلك مما لا يحتاج إلى شخص تنفيذى وإنما مدير منظمة أجندته الوحيدة هى أن يعمل النظام بكفاءة من خلال مساعدة الدول الأعضاء وأن يكون وسيطا أمينا بينها للمساعدة فى حل المشكلات، إضافة إلى فهم عميق لطرح الأسئلة الحرجة فى أوقاتها.
وبشأن التحديات التى تواجهها منظمة التجارة العالمية حاليا، أشار عبد الحميد ممدوح إلى أن المنظمة واجهت ثلاث ظواهر على مدى الأعوام الـ15 الأخيرة، وتحديدا منذ وقت الأزمة المالية فى عام 2008؛ أولها تراجع الريادة والتى تدفعها الإرادة السياسية للدول الأعضاء، منوهًا فى هذا الصدد بأن نجاح جولة الأوروجواى الشهيرة كان وراءه التوافق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وبين الدول النامية، وجاء الدفع من الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دافعة تلتف حولها الدول، إلا أن هذه القيادة غابت فى الوقت الحالي.
وأكد ممدوح أن أهم الظواهر التى أدت إلى فشل جولة الدوحة التجارية كانت غياب الإرادة السياسية لدفع أجندة المنظمة، لافتًا إلى أن هناك اليوم أيضًا ظاهرة الزيادة الكبيرة فى تعقيد القضايا التجارية المطروحة من الناحية التقنية، وهو الحال على سبيل المثال مع التجارة الإلكترونية وما بها من تفاصيل مثل الخصوصية فى التجارة العابرة للحدود فى الوقت الذى يمتلك فيه العديد من الدول قوانين ذات ارتباط بهذا الأمر.
وقال ممدوح إنه من المهم فى هذا الإطار تحقيق التوازن المطلوب بين تحرير التجارة عبر الحدود من جهة، ومن جهة أخرى الحفاظ على سيادة التشريعات واللوائح التنظيمية لدى الدول المتعلقة بالأهداف غير الاقتصادية مثل الخصوصية وحماية المستهلك وحماية البيئة وغيرها.
وأضاف ممدوح أنه فى ظل ضبابية الهدف بالنسبة للدول، فقد نتج نوع من عدم التوازن المزمن فى الوظائف الرئيسية للمنظمة وبخاصة الوظيفة التفاوضية ووظيفة حل المنازعات، بمعنى السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وحدث إخفاق شديد بسبب غياب الإرادة السياسية، ونظرًا لأن آلية حل المنازعات لديها درجة عالية من الأوتوماتيكية، فقد أعطت قوة غير متناسبة مع وظيفة المنظمة التشريعية، وباتت الدول تلجأ إليها؛ مما سبب ضغطا كبيرا عليها فكسر النظام.
وأكد ممدوح أن أهم بداية لمواجهة التحديات التى تواجه النظام التجارى العالمى بالمنظمة هى البدء بالوظيفة التفاوضية، وأن تكون هناك القدرة لتجلس الدول إلى الطاولة للتفاوض والتحرك نحو هدف واضح وهو صلب الدور الذى يلعبه المدير العام للمنظمة وبما يستدعى أن تكون لديه خبرة طويلة بهذا العمل وقدرة على طرح التشاور لتشخيص المشكلات.
وحول إن كانت هناك حاجة إلى اتفاقية تجارية جديدة متعددة الأطراف على غرار جولة الأوروجواي، قال الخبير التجارى الدولى عبد الحميد ممدوح إن النظام الحالى به ما يكفى من الأدوات للتفاوض، وبه آليات لذلك، وتم وضعها لاستخدامها فى المستقبل وتحديث الأطر القانونية، والمهم هو استخدامها.
ولفت ممدوح إلى أن الفرق بين وقت جولة الأوروجواى التجارية والآن أنه حينها كان النظام كله بحاجة إلى التغيير ولكن النظام الحالى لمنظمة التجارة العالمية بحاجة فقط إلى التحديث وليس إعادة البناء، وهو ما يعنى أن طبيعة المهمة تختلف، مؤكدًا أن إصلاح النظام التجارى العالمى يمكن أن يتم فى الإطار القانونى الموجود دون حاجة إلى تغيير الإطار القانونى لاتفاقية مراكش.
وفى حين شدد ممدوح على الحاجة إلى أجندة تفاوض تتعامل مع المشكلات القانونية والمؤسسية الموجودة بمنظمة التجارة العالمية خاصة وأن أدوات ذلك موجودة، فقد قال - ردًا على سؤال حول الخلاف الأمريكى الصينى بالمنظمة واعتراض الولايات المتحدة على معاملة الصين كدولة نامية تتمتع بمعاملات تفضيلية - إن هذا الخلاف يجب أن يناقش بهدوء، مشيرًا إلى أن الدول النامية اليوم تتباين قدراتها، وبالتالى لا يمكن منحها جميعًا مرونات تسهيلات واحدة، ولكن عند تطبيق مبدأ المعاملة التفضيلية فمن المهم الوضع فى الاعتبار الفروق بين الدول النامية وبعضها البعض.
وألمح ممدوح إلى أن ذلك حدث بالفعل عند صياغة اتفاقية تجارة الخدمات بالمنظمة، وتم التوصل إلى اتفاق بأن تكون نتائج المفاوضات متباينة بين دولة وأخرى حتى يكون هناك تحديد فردى عند منح التسهيلات وبحسب كل دولة، مؤكدًا أن دور المدير العام لمنظمة التجارة الدولية لحل المشكلة بين الولايات المتحدة والصين سيكون الوسيط الخبير، وفى نفس الوقت لا بد أن يكون محل ثقة الأطراف المتنازعة.