ظلت مستويات الأسعار في أسواق النفط العالمية، وتقلباتها تشكل موضوعا مثيرة للجدل طيلة تاريخ صناعة النفط ، وكثيرا ما تنتشر مشاعر القلق بشأن الأسعار ومستوياتها، و تأثر مخيلة عامة الناس، إما في أوقات الارتفاعات السريعة في الطلب، والتي تتسبب في ارتفاعات حادة في الأسعار وتحدث غالبا في أوقات الأزمات الطبيعية، وتلك المتعلقة بالقضايا الجيوسياسية ، أو في أوقات الانخفاضات المفاجئة في الطلب أو تخمة الأسواق من المعروض، والتي تتسبب في تراجعات حادة في الأسعار وتحدث غالبا في أوقات الأزمات الاقتصادية ورکود الطلب على النفط .
وذكرت دراسة، لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط ، أن الأسعار في أسواق النفط تتحدد على أساس الظروف الراهنة للسوق النفطية والتوقعات ، المستقبلية للطلب والعرض وتمثل الأسعار الفورية سعر التسليم الفوري لبرميل النفط ، بينما تمثل الأسعار الأجلة أو المستقبلية أسعار التسوية في عقود أجلة التسليم ، وبينما تعكس حركة الأسعار الفورية الظروف الحالية الأسواق النفط وحالة التوازن بين العرض والطلب فإنها تتأثر أيضا بالإشارات التي تستلمها من الأسواق الأجله ، كمؤشر التوقعات المستقبلية لظروف الأسواق ، حيث ينعكس الارتفاع في الأسعار المستقبلية في ارتفاع ثنائي للاسعار الفورية ومستويات المخزون النفطي لغرض التحوط من ارتفاع الأسعار الفورية مستقبلا ، وبالمقابل تتأثر الأسعار المستقبلية بالظروف الحالية للأسواق، من حيث مستويات الطاقات الفائضة وظروف التوازن في العرض والطلب ومستويات الأسعار الفورية ونسبة المخاطرة.
وأشارت الدراسة، التي جاءت، تحت عنوان: "العلاقة بين الأسعار الفورية والأسعار المستقبلية للنفط وانعكاساتها على أسواق النفط العالمية"، أن العقود الآجلة تستخدم إما للحماية من تقلبات الأسعار الفورية أو المضاربة والكسب من هذه التقلبات ، حيث يمتلك بعض منتجي النفط أو شركات الطيران العالمية صناديق تحوط تتعامل مع مشتقات الطاقة في الأسواق المالية بهدف السعي نحو التحوط من المخاطر التجارية، التي قد يتعرضون إليها بسبب التغيرات في أسعار النفط أو منتجاته ، حيت ترغب شركة الطيران في شراء العقود الآجلة أو الخيارات لتجنب احتمال ارتفاع تكاليف الوقود المستقبلية فوق مستوى معين ، بينما قد يرغب منتج النفط في بيع العقود الآجلة من أجل تثبيت سعر إنتاجه المستقبلي.
وأوضحت الدراسة، أن العقود الآجلة تختلف عن الخيارات المالية في أن العقود الآجلة تلزم الطرفين بالتسوية ، بينما يعطي الخيار المالي الحق لمشتريه بالتنازل عن التسوية إذا كانت ستعود عليه بالخسارة ، وفي المقابل ينشط المستثمرون الذين ليس لديهم مصلحة في التداول المادي للنفط من فئة البنوك ، وصناديق التحوط ، ومستشاري تداول السلع ، ومديري صناديق الأموال الخاصة ، في سوق المشتقات المالية للطاقة لمحاولة الاستفادة من التغيرات في الأسعار ، حيث يسعى هزلاء بإضافة الطاقة و السلع الأخرى كبدائل لاستثمارات الأسهم والسندات إلى تنويع محافظهم الاستثمارية أو التحوط من مخاطر التضخم .
وتابعت الدراسة، أنه من المعلوم أن أسواق النفط تعتبر من أكثر أسواق السلع الأساسية تقليا بشكل عام، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض مرونة الطلب السعرية للنفط في المدى القصير حالة كونه سلعة ضرورية غير متاحة للإحلال على المدى القصير في أغلب أوجه استخدامها، وعلى المدى المنظور في قطاعات رئيسية مثل قطاع النقل والمواصلات.
وأضافت الدراسة، أنه من جانب العرض أيضا ، يتطلب زيادة الطاقات الإنتاجية فترات زمنية طويلة وتدفقات استثمارية عالية تتوفر في ظل أسواق مستقرة منخفضة المخاطر ومضمونة العوائده في حالة ضمان الطلب المستقبلي ، حيث يترتب على ارتفاع الطاقات الإنتاجية الفائضة رفع التكلفة وتدني لجدوى الاستثمار و تؤدي هذه الأسباب إلى انخفاض مرونة العرض السعرية للنفط في المدى القصير ، مما يتسبب في تزايد درجة الحساسية الشديدة الأسعار النفط تجاه أي أنباء تشير إلى مخاطر انقطاع الإمدادات الناجمة عن الظروف الجيوسياسية ( الجغرافية - السياسية) ، ويساهم بشكل مباشر في تزايد حدة التقلبات في أسعار النفط.
وأشارت الدراسة ، إلى أن الأسعار الفورية والأسعار المستقبلية للعقود أجلة التسليم الأقرب أجلا أكثر تقلبا في أسواق النفط من مثيلاتها لعقود التسليم الأبعد أجلا بسبب بطء استجابة الكميات المطلوبة أو المعروضة من النفط للتغير في السعر على المدى القصير ، وتعكس العلاقة بين الأسعار الفورية والأسعار المستقبلية للنفط العلاقة المعقدة بين العوامل الأساسية أو ما اصطلح على تسميتها أساسيات السوق، وبين العوامل المستحدثة في أسواق النفط والتي أصبحت من العوامل الرئيسية المؤثرة على أسعار النفط صعودا وهبوطا.