تواجه صناعة النفط والغاز في العالم تحديات متنامية بدأت مع مطلع القرن الحادي والعشرين وازدادت حدتها بعد التوقيع على اتفاقية باريس لتغير المناخ التي تطالب بالتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخالية من الكربون بحلول عام 2050.
ووفقا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوبك" قد أدت هذه التحديات إلى تراجع العديد من المستثمرين عن المضي قدماً في مشاريع تطوير صناعة النفط والغاز، والذي سيكون له انعكاسات خطيرة على أمن الطاقة في المستقبل حسب توقعات العديد من مراكز الأبحاث المتخصصة.
وبالنظر إلى الغموض الذي يكتنف العديد من قضايا التحول إلى نظام الطاقة المنخفضة الكربون، كتلك المتعلقة بتطور الطلب المستقبلي على المنتجات النفطية، والأطر التشريعية التي ستصدرها الحكومات، إلا أن الأمر المؤكد هو أن النفط والغاز سيبقيان الملاذ الآمن الأكثر استخداماً بين كافة أنواع الطاقة الأخرى لعقود عديدة قادمة، وأن هذا التحول من وجهة نظرنا يجب أن يكون عادلاً وسلساً وتدريجياً.
وقد سُجل في السنوات الماضية إعلان العديد من دول العالم عن برامج تحويل مصافي تكرير النفط إلى تكرير مواد خام متجددة، وإنتاج مشتقات منخفضة الكربون، وتطبيق تقنيات احتجاز وتخزين واستعمال غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتركزت معظم هذه البرامج في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
أما في الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" فقد شهدت صناعة تكرير النفط في العقد المنصرم تنفيذ مشاريع رائدة تهدف إلى إنتاج مشتقات عالية الجودة بمواصفات متوافقة مع أحدث المعايير الدولية، من خلال إنشاء مصافٍ متطورة مثل مصفاة "جازان" في المملكة العربية السعودية طاقتها التكريرية 400 ألف برميل/اليوم، ومصفاة "كربلاء" في جمهورية العراق طاقتها 140 ألف برميل بوميا، ومشروع الوقود النظيف في دولة الكويت الذي يتكون من تطوير مصفاتي "ميناء الأحمدي" و"ميناء عبد الله" القائمتين وإنشاء مصفاة الزور الجديدة طاقتها التكريرية 615 ألف برميل يوميا، بدلاً من مصفاة "ميناء الشعيبة" التي تم توقيفها نظراً لقدمها، فضلاً عن مشاريع تطوير وتوسيع المصافي القائمة في العديد من الدول الأعضاء، بهدف تحسين مرونتها لتكرير أنواع ثقيلة ومتنوعة من النفط الخام، وتعديل هيكل منتجاتها بما يتوافق مع التوقعات المستقبلية لتغير الطلب على أنواع الوقود في الأسواق العالمية، مثل مشروع تطوير مصفاة "الرويس" في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصفاة "سترة" في مملكة البحرين، ومصفاة الشرق الأوسط "ميدور" في جمهورية مصر العربية.
وجاءت هذه التطورات جنباً إلى جنب مع الإعلان عن الخطط الاستراتيجية الوطنية لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بما يتوافق مع التوجه العالمي نحو نزع الكربون والتحول إلى استخدام الطاقة النظيفة.
وتأتي في مقدمة هذه المبادرات المبادرتان اللتان أطلقتهما المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2021، وهما "مبادرة السعودية الخضراء"، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، لخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2060، باستثمارات تبلغ حوالي 187 مليار دولار أمريكي، وذلك بهدف رفع نسبة الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر متجددة في المملكة من 1% إلى 30% والتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق والأمونيا الزرقاء، وإنشاء وحدات اصطياد وتخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون.
كما تجدر الإشارة إلى إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن استثمار مليارات الدولارات لمشاريع زيادة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، وتعزيز إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة استخدامها في كافة القطاعات المستهلكة للطاقة، ومنها مصافي تكرير النفط، إضافة إلى التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يعتبر مصدراً للطاقة المنخفضة الكربون، وتطبيق تقنية اصطياد وتخزين ثاني أوكسيد الكربون.
والأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" إذ تتابع هذه التطورات، وتثمن الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في هذا المجال، فإنها لا تدخر جهداً في دعم هذه المبادرات من خلال إعداد الدراسات والتقارير المتخصصة وعقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات التنسيقية التي يتبادل فيها خبراء الصناعة تجاربهم وخبراتهم وخططهم الاستراتيجية التي تمكنهم من الارتقاء بأداء الصناعة النفطية إلى المستويات المنشودة، والتأكيد على أن صناعة تكرير النفط، كغيرها من الصناعات البترولية والغازية، يمكن أن تكون عاملاً رئيسياً في مشروع التحول إلى الطاقة النظيفة.