أكد خبراء صينيون أن آلية مقايضة العملات المرتقبة بين بكين والقاهرة ستعود بالفائدة على البلدين معا، وتمنح قوة دفع هائلة لتعاونهما الاقتصادى والمالى المستقبلي.
وشدد الخبراء على الأهمية البالغة لهذا التطور، كونه جزءا جوهريا من خارطة الطريق الاقتصادية الشاملة بين الصين ومصر، يدفع التعاون المالى الثنائى فى الوقت الحاضر إلى مستوى عالى ورفيع جديد، يتمثل فى تشاورهما حول إقامة آلية ثنائية لمقايضة العملات.
وأعلنت الصين أن المحادثات الجارية بين البنك المركزى المصرى وبنك الشعب الصينى (البنك المركزي) حول هذا الموضوع حققت نتائج أولية رغم عدم تحديد المبالغ التى ستتم مقايضتها فى إطار تلك الآلية حتى الآن.
وفى السياق ذاته، صرح يانج قوانج رئيس معهد بحوث غرب آسيا وأفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، لوكالة أنباء (شينخوا) الصينية، اليوم الأربعاء، بأنه مع تزايد حجم التجارة الثنائية وتدفق الاستثمارات الصينية إلى مصر ورغبة مصر فى المشاركة فى مبادرة "الحزام والطريق"، يواجه البلدان مخاطر متزايدة ناجمة عن استخدام الدولار الأمريكى فى عمليات المقايضة، إذ إن الرنمينبى الصينى والجنيه المصرى لم يصبحا بعد عملتين متداولتين فى أسواق المال العالمية.
وفى الوقت الذى يعمل فيه المصريون حاليا على إقامة عدد من المشروعات الكبرى التى تستند بشكل أساسى إلى الاستثمارات الخاصة والأجنبية وسط هبوط الاحتياطى النقدى وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، "فسوف تستفيد مصر حتما استفادة كبيرة من مثل تلك الآلية مع الصين التى تعد شريكها التجارى والاستثمارى الرئيس" - على حد قول الاقتصادى الصيني.
وأضاف أن الصين تعتبر إقامة الآلية الثنائية لمقايضة العملات مع مصر وسيلة ناجعة لدفع عملية تدويل الرنمينبى قبل أن يصبح عملة صعبة معترفا بها دوليا.
واتفق معه فى الرأى وو بينج بينج رئيس مؤسسة بحوث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين، حيث قال إنه بعد تطبيق تلك الآلية فى المستقبل، يمكن للصينيين شراء المزيد من البضائع المصرية بسهولة ومعظمها ليست من منتجات الطاقة، وكذا الاستثمار فى مشروعات مصرية بما لديهم من مبالغ نقدية بالجنيهات المصرية.
ولفت إلى أن ذلك سيضفى سهولة أكبر أيضا على استهلاك الصينيين للمنتجات فى السوق السياحية المصرية، وهو ما سيلعب دورا كبيرا فى تشجيع تطوير قطاع الخدمات الذى يعد أحد القطاعات المحورية المصرية، لأن السوق السياحية المصرية سوق ناضج له جاذبية متميزة لدى عامة الشعب الصيني.
وأشار إلى أنه فى عام 2015 وصل عدد السائحين الصينيين الذين زاروا مصر إلى 115 ألف سائح وبلغت مدة الإقامة فى الفنادق 637 ألف يوم، بزيادة 87% و62% على التوالى عن العام السابق.. ومن ثم، فإن الاستهلاك بالرنمينبى مباشرة فى مصر سيزيد قطعا من جاذبية مصر كمقصد سياحى رئيسى للصينيين بعد إقامة آلية مقايضة العملات بين البلدين فى المستقبل، حسبما قال الأستاذ الصيني.
وبلغ، فى عام 2015 أيضا، حجم التبادل التجارى بين البلدين 12.9 مليار دولار، وبالإضافة لذلك، تجاوزت قيمة الاستثمارات الصينية فى مصر ستة مليارات دولار حيث تعمل حاليا أكثر من 80 شركة صينية هناك، حسب آخر الإحصاءات الرسمية.
وعلى هذه الخلفية، أوضح وو بينج بينج أن مصر اجتازت بالفعل فترة الاضطرابات التى شهدتها قبل سنوات وصارت اليوم تنعم بالاستقرار السياسى والاجتماعي، وهو ما خلق مناخا مواتيا لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
وأضاف أن مصر تمر الآن بمرحلة تحويل الاتجاه العام الجيد إلى عوائد ملموسة.. "لهذا، جاء التعاون المالى المتمثل فى التشاور حول إقامة آلية مقايضة العملات حقا فى حينه".
وفى سبيل تحقيق الانتعاش الاقتصادى بمصر، التى تعد دولة ذات ثقل كبير فى منطقة الشرق الأوسط، وارتباط ذلك الوثيق بالحلم الصينى المتمثل فى بناء مبادرة "الحزام والطريق"، يشير هذا التطور فى تعاونهما المالى إلى تفاؤلهما الكبير إزاء مستقبل التعاون الاقتصادى والتجارى الثنائي.
وثمن يانج قوانج عاليا آفاق التعاون الاقتصادى بين الصين ومصر، قائلا إن هذا التعاون لا يقتصر على التجارة فحسب، وإنما يشمل أيضا مجال الاستثمار.
وفسر ذلك بقوله إن المشروعات الكبرى فى مصر، ومنها المحور الاقتصادى لقناة السويس الذى يعد أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد والتنمية، أتاحت عددا كبيرا من فرص الاستثمار أمام رجال الأعمال الصينيين.
وأضاف أنه لمن الحكمة أن تطرح مصر هذه المشروعات الكبرى بهدف إعادة بناء المنظومة الصناعية كثيفة العمالة والقائمة على احتياجات السوق وذلك من أجل حل مشكلة البطالة وتحقيق النهوض الاقتصادي. علاوة على ذلك، تستند هذه المشروعات الكبرى إلى الاستثمارات الخاصة والأجنبية ، ما خفف العبء عن ميزانية الحكومة.
وشدد الاقتصادى الصينى على أن ذلك سيشجع رجال الصناعة الصينيين الذين يملكون خبرات وافرة وجوانب تفوق تقنية فى هذا المجال على الاستثمار فى مصر للمضى قدما بتعاون البلدين فى القدرة الإنتاجية ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذى سيسهم فى تحقيق الترابط بين الحلم الصينى والحلم المصرى.
من جانبه، أشار وو بينج بينج المتخصص فى شئون الشرق الأوسط إلى دور الإرادة السياسية القوية لدى قيادات البلدين فى دفع إقامة آلية مقايضة العملات، قائلا إن هناك فى الصين توافقا فى الرأى على أنه بدون تنمية مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، لن تكون تنمية العالم العربى شاملة وكاملة.
وأضاف أن الدعوة التى وجهتها الصين للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى لحضور قمة مجموعة العشرين التى عقدت فى مدينة هانجتشو فى مطلع الشهر الحالي، تعد تجسيدا لهذا التوافق وتعبيرا عن ثقة الصين فى إمكانيات مصر التنموية المستقبلية.
واختتم قائلا:"فى الواقع تبرز المحادثات الجارية حول إقامة تلك الآلية المكانة والأهمية الاستراتيجيتين لمصر لدى الصين".