أكد الخبير الاقتصادى محمد متولى، نائب الرئيسالتنفيذى لشركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار، أن ترشيد الإنفاق الحكومى أمر حميد جدا، من حيث المبدأ ولكن مشكلة قلة الدخل أهم من مشكلة الإنفاق، لأن حجم التوفير الممكن الذى يتم فى حالة ترشيد الإنفاق يكون بنسب لا يزيد عن 10 إلى 15%، وبهذه النسبة لا تصل الدولة بالتوفير إلى سد العجز الهائل فى الميزانية، ولكل من يراجع ميزانية الدولة أن حوالى 300 مليار جنيه أى ثلث ميزانية مصر المقدرة بـ900 مليار جنيه تذهب لخدمة الدين، وبالتالى فإن التركيز يجب أن يكون على خفض الإنفاق بتقليل أعباء الدين السنوى على الميزانية.
وأضاف متولى، فى بيان صحفى اليوم السبت، أن الدين الداخلى غير قابل للنقصان فى الوضع الحالى، لأن مصر لديها عجز بالميزانية وتضطر إلى الاقتراض لسد هذا العجز، وبالتالى الدين فى طريقه إلى الزيادة، ولكن يمكن لخدمة الدين أن تقل عن طريقين: الأول فى حالة خفض الفائدة على الدين، وعلى سبيل المثال فإن خفض الفائدة بنسبة 4% من أصلدين بقيمة 3 تريليون جنيه يساوى حوالى 120 مليار جنيه.
وقال متولى: إن الاقتراض من البنوك الحكومية لا يعنى أنها أموال الدولة لأن البنوك هى فى الأصل تعمل بأموال مودعين وهى أموال خاصة، والثانى هو خفض أصل الدين ذاته، وبالتالى تقل قيمة خدمة الدين.
ونوه متولى إلى أن الحكومة عليها أن تسعى بتوجيه المشاريع التى تخطط لها للقطاع الخاص من أجل الحد من زيادة أصل الدين، وبالتالى البدء فى تحجيمه وخفضه بأن تجعل مستثمرى القطاع الخاص يتحملون تكاليف هذه المشاريع الضخمة.
وأوضح متولى أنه أولى بالدولة التركيز على بناء بنية أساسية جاذبة للاستثمار، وتحصيل دخل يغطى تكاليف هذه البنية الأساسية مع هامش ربح معقول نظير هذه الخدمات، مع توفير مناخ جاذب للاستثمارات، وبذلك تحد الدولة من زيادة الدين الداخلى.
وقال متولى: "علينا التركيز حالياً على الخطوات الفعلية والعملية التى تحفز رجال الأعمال للاستثمار فى مصر، وأضاف أن هناك أقاويل فى الشارع المصرى عن التسعيرة الجبرية، هذه التسعيرة منفرة جدا للاستثمار بشكل عام، والحل أن يتم تحفيز المنافسة الحرة وجعله سوقا مفتوحا يشجع على التنافسية للوصول إلى سعر عادل للسلع والخدمات".
كما حذر من دخول الدولة للاستثمار بشكل مباشر أيضا لأنه منفر للمستثمرين، لأن وجود الدولة بشركاتها كمنافس للقطاع الخاص مع التسهيلات والإعفاءات التى عادة تمنح للشركات المملوكة للدولة يؤدى لشعور المستثمر بأن المنافسة غير متكافئة.
وأشار متولى إلى أن قطاع السياحة يعانى كثيرا فى الوقت الحالى، ولا بد من استثمار ضخم لكى ينتعش هذا القطاع مرة أخرى، لافتا إلى بعض الإيجابيات التى حدثت من ضخ الدولة 900 مليون جنيه لاستكمال بناء المتحف المصرى، وأيضا من الخطوات المحمودة بنقل المدابغ من منطقة سور مجرى العيون للحفاظ على آثار أكثر من 600 سنة، من أجل خلق مجال جيد ومحفز لرجوع السائح من جديد، وتحفيز الدولة على الإنفاق على تطوير المناطق الأثرية فى مصر لترتقى إلى مستوى العالمية وتعيد جذب السياحة الثقافية، ولو تطلب الأمر قيام الدولة بضخ 10 أو 20 مليار جنيه فى هذا القطاع، لأن عائد هذه الاستثمارات سيكون بالعملة الصعبة ومن خلال قنوات متعددة كضرائب القيمة المضافة والدخل المفروضة على الفنادق والمطاعم، وغيرها وليس رسوم زيارة هذه المناطق الأثرية فقط.
وفيما يخص ما نشر فى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية المتعلقة بأزمة السكر فى مصر، علق متولى: أنه قد تكون هناك حملة تشهير بمصر من قبل وسائل الإعلام الخارجية، ولكن من الضرورى بشكل عام أن تقوم الحكومة بالتواصل والتخاطب مع الإعلام الأجنبى من خلال مكاتب إعلامية متخصصة تقوم بنشر الإيجابيات بطريقة حرفية، بالإضافة إلى دعوة المراسلين الأجانب لزيارة مصر وإعطائهم نبذة عن الإنجازات الاقتصادية التى تحققت خلال العامين الماضيين، وترتيب مقابلات لهم مع كبار المسئولين فى الحكومة مثل وزير المالية لكى يشرح لهم سياسة التوسع التى تقوم بها الحكومة حالياً لتحقيق نمو بنسبة 4% ، والتى تمثل ضعف النسب المحققة فى الولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف متولى أن الأزمات المتتالية فى توفير السلع الأساسية تستنزف وقت ومجهود الحكومة بدلا من التركيز على أهداف قومية مثل جذب الاستثمارات بالمليارات من أجل خلق فرص عمل بمئات الألوف كل سنة للكتلة السكانية الكبيرة الموجودة فى مصر، خصوصاً فى ظل معدلات البطالة الراهنة.
وعن أزمة السكر، قال متولى: هناك حلول لتلك المشاكل سواء كانت متعلقة بالسكر أو غيره من سلع أساسية فهى مشاكل عابرة. وأضاف أن الشركات فى مصر منذ قترة قليلة كانت تشتكى من عدم القدرة على تصريف مخزون السكر لديها، مما أدى إلى قرارات بفرض رسوم إضافية على السكر المستورد بهدف إتاحة الفرصة للشركات المحلية لبيع مخزون السكر لديها، وأشار متولى إلى أنه لا بد أن يتم تحليل دقيق وإجراء تحقيقات لمعرفة السبب وراء تلك الأزمات المتتالية فى فترة زمنية قليلة ومن ثم معالجتها بشكل جيد.
وأضاف متولى أنه من الضرورى التركيز على حل مشاكل الإهدار فى الدخل وتطوير منظومة التحصيل فى مصر، وأكد أنه يوجد الكثيرة من الفرص للاستفادة منها، فعلى سبيل المثال محاولة الاستفادة من تقنين أوضاع حوالى 750 ألف "توك توك" تعمل فى مصر بدون تراخيص وتستهلك وقودا مدعما بحوالى 5 مليارات جنيه فى السنة الواحدة.