تسيطر الملفات الاقتصادية على اجتماعات لجنة المتابعة الوزارية المصرية التونسية، التى تشهدها تونس هذه الأيام، فى محاولة جديدة لتنشيط حركة التبادل التجارى والاستثمارى بين الجانبين، والذى لا يعبر لا عن حجم اقتصاد البلدين وإمكاناتهما، ولا عن الاتفاقيات الموقعة بينهما والتى تمتد إلى نحو 30 عاما.
وترتبط مصر مع تونس اقتصاديا بأكثر من 20 اتفاقية تستوعب كافة المجالات، منها ما هو فى إطار ثنائى، ومنها ما هو فى إطار إقليمى عربى وإفريقى، تهدف جميعها إلى تنشيط حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة والتصدير والسياحة وغيرها.
وبدعم من الإرادة السياسية فى البلدين تحت قيادة الرئيسين عبد الفتاح السيسى والباجى قائد السبسى، اجتمعت فى سبتمبر من العام الماضى 2015 اللجنة الوزارية العليا المصرية التونسية، برئاسة رئيسى وزراء البلدين فى ذلك الوقت المهندس إبراهيم محلب وحبيب الصيد، وذلك لأول مرة بعد تعطل هذه اللجنة منذ 2010، كما يجرى حاليا التحضير لانعقاد دورتها الجديدة بالقاهرة مطلع عام 2017 بين رئيسى الحكومة فى الدولتين.
ورغم كل تلك الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، نجد نتائجها لا تعدو كونها أرقاما هزيلة ومتواضعة للغاية، إذ لم يتجاوز حجم التبادل التجارى بين مصر وتونس 1.6 مليار دولار على مدار السنوات الست الماضية، فيما لم تتخط الاستثمارات المصرية فى تونس مليونى دولار، تتركز فى ورش ومتاجر، فيما تبلغ الاستثمارات التونسية فى مصر 35 مليون دولار، ممثلة فى أنشطة بترولية وسياحية وأنشطة أخرى متنوعة.
وكانت أولى الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين مصر وتونس، فى ديسمبر 1989، للتعاون العلمى والتكنولوجى وللتعاون الصناعى ولتشجيع وحماية الاستثمارات، ولمنع الازدواج الضريبى وللتبادل التجارى الحر، فيما تطورت الاتفاقيات مستقبلا لتشمل اتفاقيات إقليمية مثل اتفاقية التبادل التجارى بين الدول العربية عام 1998 واتفاقية أغادير عام 2004.
وقال السفير المصرى بتونس نبيل حبشى - لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط - إن زيارة الوفد المصرى برئاسة وزيرة التعاون الدولى الدكتورة سحر نصر، لتونس اليوم تأتى فى إطار أعمال لجنة المتابعة لتحضير كافة الأمور المتعلقة بأعمال اللجنة الوزارية العليا التى ستُعقد فى القاهرة مطلع العام المقبل، يصاحبها عقد منتدى الشراكة المصرى التونسى الذى يضم رجال أعمال من الطرفين لمناقشة كافة المعوقات التى تقف أمام الاستفادة المثلى من كافة الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
وأضاف أن العلاقات المصرية التونسية فى تطور مستمر، خاصة فى الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث عُقدت اللجنة العليا المشتركة لأول مرة منذ سنوات بتونس العام الماضى 2015، وتم التوقيع على تفعيل العديد من الاتفاقيات التى كانت متوقفة واتفاقيات أخرى جديدة.
وأشار إلى أنه سيتم الأسبوع المقبل أيضا عقد اجتماع اللجنة الملاحية المصرية التونسية المشتركة، والتى ستبحث إنشاء خط بحرى يربط بين مدينتى الإسكندرية وصفاقس بهدف تنشيط حركة التجارة بين الدولتين.
من جانبها، قالت رئيس مكتب التمثيل التجارى المصرى بتونس الوزير المفوض إيناس زيدان إن مصر وتونس لا تحتاجان اتفاقيات جديدة بقدر احتياجهما إلى تفعيل الاتفاقيات الموجودة التى يتجاوز عددها 20 اتفاقية وبروتوكول، مضيفة أن الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة بين الجانبين المصرى والتونسى بدأت منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، وحتى العام الماضى 2015، وتفعيلها كفيل بمضاعفة حجم التجارية البينية بين البلدين، بدلا من الأرقام المتواضعة الحالية التى لم تتجاوز 235 مليون دولار العام الماضى.
وأشارت إلى أن ظروف البلدين منذ عام 2010 ربما كانت سببا فى تواضع حجم المبادلات بينهما ، لافتة إلى أنه منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة مصر بدأ الاهتمام بإعادة تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وتونس، وهو ما بدأ بالفعل العام الماضى بزيارة المهندس إبراهيم محلب - رئيس الوزراء وقتها - والذى شهد عقد اللجنة الوزارية العليا لأول مرة بعد توقف 5 سنوات وشهدت التوقيع على 16 اتفاقية.
وكان وزير التجارة التونسى السابق رضا الأحول قد صرح العام الماضى بأنهم يهدفون من خلال هذه الاتفاقيات إلى الوصول بحجم التبادل التجارى بين مصر وتونس إلى 600 مليون دولار سنويا بدلا من نحو 320 مليون دولار فى 2014، لكن شيئا من هذا لم يحدث بل تراجع التبادل التجارى بنهاية 2015 إلى 234 مليون دولار وفى 2016 إلى 180 مليون دولار فقط.
وترى الوزير المفوض إيناس زيدان أنه حان الوقت لتفعيل الاتفاقيات الموقعة بين مصر وتونس فى ظل استقرار الأوضاع فى البلدين سياسيا واقتصاديا، مشيرة إلى أن مصر تربطها بتونس اتفاقيات عديدة فى مجالات التبادل التجارى المشترك سواء الثنائى أو فى إطار منظمة التجارة العربية الكبرى والموقعة عام 1997 وهى معفاة بالكامل من الرسوم الجمركية للمنتجات المتبادلة منذ عام 2005.
وأضافت أن هناك اتفاقيات أخرى مشتركة منها اتفاقية أغادير التى تشمل أيضا الأردن والمغرب، بالإضافة إلى اتفاقيات للربط البحرى وأخرى لمنع الازدواج الضريبى وتشجيع وحماية الاستثمارات والتعاون الاقتصادى والصناعى، واتفاقيات أخرى فى مجال حماية المستهلك والرقابة على الأسواق والمعارض ونقاط التجارة بين البلدين ويجرى تمديدها فقط دون إيجاد آليات عملية للتنفيذ بشكل يعكس إمكانيات البلدين واحتياجاتهما الاقتصادية والتجارية.
وتتمثل أهم الصادرات المصرية للسوق التونسية فى المواد الغذائية والأقطان والأقمشة القطنية والصابون ومحضرات الغسيل والزيوت والمنتجات البترولية (التى كانت تتصدر القائمة عام 2012 وما قبلها) والآلات والأجهزة الكهربائية والخضروات الطازجة والمبردة والمصنوعات السكرية والزيوت العطرية والزجاج والبذور والخزف ومنتجاته، بالإضافة إلى المعدات الكهربائية المنزلية؛ بينما تستورد مصر من تونس منتجات كيماوية ومستحضرات التجميل وزيت الزيتون والورق والكرتون والأجهزة الطبية.
وبالنسبة لحجم الاستثمارات بين البلدين، قالت الوزير المفوض التجارى المصرى بتونس، إن الاستثمارات المشتركة مستقرة منذ سنوات عند معدلاتها التى تعتبرها ضعيفة مقارنة بما يجب أن يكون بين البلدين، حيث تصل الاستثمارات التونسية فى مصر إلى 36 مليون دولار فقط تتركز فى أنشطة خدمات بترولية وسياحة وبرمجيات ونقل ومزارع ماشية، بينما لا تتجاوز الاستثمارات المصرية بتونس حاجز 2.2 مليون دولار فى مشروعات صغيرة إنشائية وتبغ وأثاث وأجهزة كهربائية.
من جانبه أرجع رجل الأعمال التونسى ونائب رئيس الغرفة الاقتصادية التونسية المصرية جبر الحوات ضعف الاستثمارات المشتركة والتجارة البينية بين البلدين إلى اهتمام الحكومات فى البلدين بالترويج الاستثمارى والتجارى مع الدول الغربية والخليجية والآسيوية بشكل أكبر.
وأضاف أن تجارة تونس مع العالم الخارجى تقترب من 40 مليار دولار، فيما تتجاوز تجارة مصر الخارجية نحو 100 مليار دولار، والأرقام المعلنة بين البلدين من تجارة تتجاوز 200 مليون دولار سنويا واستثمارات لا تزيد منذ سنوات، وهو أمر لا يتناسب مع حجم الاقتصاد فى البلدين أوالاتفاقيات الموقعة.
وأشار إلى أن تفعيل الاستثمارات والتبادل التجارى يحتاج إلى إرادة سياسية أكثر فاعلية، مضيفا: "ربما لمسنا تحركا فى السنوات الأخيرة منذ تولى الرئيسين عبد الفتاح السيسى والباجى قائد السبسى للحكم فى البلدين، ونتمنى أن تحول الحكومات هذه الإرادة إلى واقع فعلى".
ونبه إلى أن نقص موارد البلدين من العملة الصعبة يمثل أحد أهم عوامل ضعف التجارة بينهما، وهو ما يمكن الاستعاضة عنه باتفاقيات تتم تحت رعاية حكومية بمبادلة البضائع حيث يعانى السوق التونسى من نقص الكثير من السلع المتوفرة فى مصر والعكس صحيح.
من ناحيته، قال عبد العليم نواره، رئيس وفد رجال الأعمال المصرى المشارك فى الاجتماعات الجارية حاليا فى تونس، إن الوضع المتدهور فى ليبيا تسبب فى تقليص حركة التجارة والمبادلات التجارية بين مصر وتونس بأكثر من 70 %، مشيرا إلى أن الطريق البرى الذى يمر بليبيا شبه متوقف تماما منذ عام 2013 بسبب الأحداث فى ليبيا.
وأضاف أن هناك طلبا كبيرا بالسوق التونسية على السلع المصرية، لكن لا يوجد وسيلة نقل بعد قطع الطريق الدولى البري، معربا عن أمله فى أن تستقر الأوضاع فى ليبيا وأن يتم فتح الخط الملاحى المنتظم بين الإسكندرية وصفاقس