مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يتوقع طفرة فى إنتاج النفط والغاز بالشرق الأوسط فى السنوات المقبلة.. ومصر إحدى الدول الواعدة في مجال إنتاج الغاز الطبيعي في المستقبل القريب

توقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة فى أبوظبي أن يشهد قطاع النفط والغاز الطبيعي بالشرق الأوسط طفرة إنتاجية في المستقبل القريب على الرغم من الصعوبات الجمة التي يتعرض لها منذ عام 2014 على خلفية تصاعد حدة المخاطر الجيوسياسية والأمنية بجانب تراجع الأسعار العالمية للنفط. وفي هذا السياق، تواصل بعض الدول الرئيسية المنتجة للنفط، مثل ليبيا وإيران، زيادة إنتاجها من النفط، في حين أن دولا أخرى، على غرار الجزائر ومصر، تعمل على تطوير قدراتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي.

وذكر المركز فى دراسة أن دول الإقليم تسعى بقوة لتعزيز مشروعات نقل ناتجها من النفط والغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب تمتد من مناطق الإنتاج بالداخل إلى الأسواق المجاورة بالإقليم أو خارجه، والتي تأتي في إطار السباق المحتدم بين الدول النفطية بالإقليم لتسويق ناتجها دوليًا. وعلى جانب آخر، تستعد دول أخرى لتنفيذ مشروعات نفطية وغازية ضخمة ذات قيمة مضافة عالية، مثل الجزائر التي تجري التحضيرات اللازمة لتنفيذ مشروع لتسييل الغاز الطبيعي والبتروكيماويات لتعويض تآكل إيراداتها النفطية.

ومن دون شك، فإن الاتجاهات السابقة ستصب بالنهاية في صالح دول الإقليم، حيث ستعزز من أمن الطاقة بها كما ستوفر مزيدًا من العوائد المالية لها مستقبلا. ورغم التفاؤل السابق، فلا يزال القطاع يواجه تحديات رئيسية تتمثل في نقص رؤوس الأموال اللازمة لتنفيذ المشروعات النفطية، إلى جانب المخاوف الأمنية المستمرة من استهداف المنشآت النفطية بالمنطقة.
مؤشرات عديدة
يشهد قطاع النفط والغاز الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط عددًا من الاتجاهات الصاعدة، يمكن تناول أبرزها فيما يلي:
طفرة الإنتاج: تشهد معدلات إنتاج النفط والغاز الطبيعي زيادة كبيرة بالآونة الأخيرة، ولا سيما في الدول التي عانت في السابق من صعوبات عديدة في الإنتاج جراء ظروف جيوسياسية معاكسة. وتعد ليبيا هى أبرز الدول التي تشهد زيادة في الإنتاج حاليًا، حيث وصل إنتاجها إلى 685 ألف برميل يوميًا بنهاية عام 2016 منذ سيطرة الجيش الليبي بالكامل على منطقة "الهلال النفطي" في سبتمبر 2016. وفي حالة ما إذا بقيت الظروف الأمنية والسياسية مستقرة هناك، فمن المتوقع ارتفاع الإنتاج النفطي ليصل إلى نحو 900 ألف برميل يوميًا بحلول مارس 2017، حسب المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.

وأيضًا، منذ أن رفعت العقوبات المفروضة على إيران في يناير 2016 بعد وصولها إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في يوليو 2015، استعادت قسمًا كبيرًا من حصتها الإنتاجية قبل تشديد العقوبات الاقتصادية في عام 2011. وفي نوفمبر 2016، بلغت الكميات المنتجة بالبلاد نحو 3.72 مليون برميل يوميًا أى بزيادة 860 ألف برميل يوميًا عن مستويات الشهر نفسه في عام 2015. وبالإضافة إلى السابق، فقد ارتفع إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي بأكثر من 50% بحسب وزير النفط الإيراني بيجن زنجنه ليبلغ 730 مليون متر مكعب يوميًا.

وتعتبر مصر إحدى الدول الواعدة أيضًا في مجال إنتاج الغاز الطبيعي في المستقبل القريب، حيث من المتوقع أن يضيف حقل "ظُهر" –المكتشف قبالة السواحل المصرية بالبحر المتوسط في منتصف عام 2016- نحو مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز قبل نهاية عام 2017، ليبلغ إجمالي إنتاج البلاد 5.4 مليار قدم مكعب يوميًا، ومن المؤكد أن الزيادة السابقة ستسهم في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة بالبلاد.

2- استثمارات جديدة: رغم تراجع الاستثمارات النفطية على المستوى العالمي، إلا أن بعض دول الشرق الأوسط تتطلع لضخ رؤوس أموال كبيرة في المشروعات النفطية والغاز الطبيعي من أجل دعم طاقتها الإنتاجية. وهناك حاليًا مشروعات بقيمة 176 مليار دولار قيد التنفيذ على مدار السنوات الخمس المقبلة، بينما هناك مشروعات مخططة أخرى بقيمة 339 مليار دولار.
ومن أجل جذب رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لتنفيذ الاستثمارات في القطاع، اتخذت بعض دول المنطقة خطوات هامة لتحسين مناخ الاستثمار بصناعة النفط. ومن أهم هذه الدول إيران التي أقرت، في أغسطس 2016، نموذجًا جديدًا للعقود النفطية يعزز من أرباح الشركات النفطية، وهو ما جذب كثيرًا من الشركات الأجنبية للعمل بالسوق الإيراني. ومؤخرًا، تنافست نحو 29 شركة نفطية عالمية في العطاء الذي طرحته الحكومة الإيرانية لتنفيذ عدد من مشروعات النفط والغاز بإيران.

وفي خطوة هامة لتطوير صناعة النفط والغاز بالبلاد، أقرت الحكومة اللبنانية، في 4 يناير 2017، مرسومين رئيسيين: الأول، يتعلق بتقسيم الكتل النفطية. فيما ينصرف الثاني، إلى تحديد دورة التراخيص للشركات النفطية الراغبة في المشاركة في التنقيب عن النفط قبالة السواحل اللبنانية، وليمثل ذلك نقطة تحول جديدة في استغلال موارد البلاد بعد إخفاقها منذ عام 2013 في عقد جولات لترخيص التنقيب والإنتاج بسبب مشكلة الفراغ الرئاسي والقضايا المتعلقة بترسيم الحدود الجنوبية من المياه الإقليمية اللبنانية.

3- مشروعات نقل الطاقة: يتسارع العمل المشترك في منطقة الشرق الأوسط حاليًا لتعزيز مشروعات نقل النفط والغاز الطبيعي بين دول الإقليم، والتي ستلبي، من دون شك، الطلب المتزايد على الطاقة في الدول التي تعاني من أزمات في الطاقة. وفي هذا الصدد، سوف يجرى تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع خط أنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي العراقي من مدينة البصرة إلى ميناء العقبة الأردني في عام 2017. كما اتفقت العراق والكويت، في 28 ديسمبر 2016، على استيراد الأخيرة كميات من الغاز العراقي تصل إلى 5 ملايين متر مكعب يوميًا.

ولدى المغرب طموح كبير في أن تصبح معبرًا رئيسيًا لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وفي هذا الصدد وقعت مع نيجيريا، في ديسمبر 2016، اتفاقية لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي بين الدولتين، بالإضافة إلى دول أفريقية أخرى مع إمكانية مده إلى أوروبا. وبالإضافة إلى الخطة السابقة، تسعى المغرب إلى الانتهاء من إعداد دراسات الجدوى لمشروع "الغاز للطاقة" Gas to Power ، بتكلفة 5 مليار دولار، والذي يشمل بجانب تشييد ميناء للغاز الطبيعي في منطقة الجرف الأصفر الصناعية جنوب الدار البيضاء ومحطات التخزين وإنتاج الطاقة الكهربائية، مد أنبوب للغاز بطول 400 كيلومتر يربط المنطقة السابقة بخط أنابيب المغرب العربي (الواصل بالأصل بين مدينة طنجة المغربية وحقول الغاز بالجزائر).

4- مشاريع ذات قيمة مضافة: تعويضًا لتآكل موارد النفط الخام، تسعى بعض دول المنطقة إلى تعظيم مكاسبها من تدشين بعض مشروعات البتروكيماويات وتسييل الغاز الطبيعي ومنتجاته ذات القيمة المضافة العالية بالاعتماد على التمويل الحكومي أو جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن بين أهم المشروعات التي أطلقت مؤخرًا مشروع "صدارة" للكيميائيات الذي تنفذه شركة "أرامكو" السعودية بالتعاون مع شركة "داو كيميكال" الأمريكية بقيمة 20 مليار دولار، بطاقة إنتاجية 3 ملايين طن متري من المنتجات البتروكيماوية سنويًا.

وفي الاتجاه نفسه، تسارع الجزائر لتنفيذ عدد من المشروعات الكبيرة لرفع طاقتها الإنتاجية من البتروكيماويات، وفي هذا الصدد أبرمت شركة "سوناطراك" الجزائرية، في ديسمبر 2016، اتفاقًا أوليًا مع شركة "توتال" الفرنسية لبناء مجمع كبير الحجم للبتروكيماويات، والذي يأتي في إطار خطة حكومية أعلنت في عام 2013 لضخ استثمارات بقيمة 15 مليار دولار في قطاع البتروكيماويات.

عقبات محتمل
لكن رغم ذلك، فإن ثمة بعض العقبات التي قد تقلل من الفرص المتاحة أمام دول المنطقة لتعزيز مكاسب القطاع النفطي بالمنطقة في المستقبل القريب، وتتمثل في تدني أسعار النفط: مع توصل دول الأوبك لاتفاق بتجميد كميات إنتاج النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، ارتفعت أسعار النفط العالمية إلى مستوى 55 دولار للبرميل أى بزيادة أكثر من خمسة دولارات خلال الأشهر الأولى من عام 2016. وهذه الزيادة على الرغم من محدوديتها، إلا أنها قد تبدو مشجعة لتعزيز الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والغاز الطبيعي بالشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن التوقعات القائمة باستمرار تراجع أسعار النفط في المدى المتوسط من شأنها أن تجعل بعض الشركات النفطية الأجنبية أكثر تحفظًا وحذرًا في تعزيز إنفاقها الاستثماري سواء على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الاستثمارات الأجنبية بقطاع النفط بالمنطقة، بشكل لن يتوافق، في الغالب، مع الخطط الطموحة التي تبنتها دول الإقليم لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط أو الغاز الطبيعي.

والمخاوف الجيوسياسية، فمن دون شك، فإن المخاطر الجيوسياسية تمثل إحدى المخاوف الرئيسية للشركات الغربية لضخ استثمارات في المنطقة. ومنذ عام 2011، تشهد بعض دول المنطقة صراعات داخلية متصاعدة، لا سيما في سوريا وليبيا والعراق، وبما يؤدي إلى تحجيم الاستثمارات في الأمد القريب
ويمثل موقف الإدارة الأمريكية الجديدة المعادي للاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" أحد الهواجس الأخرى للشركات الأجنبية، الأمر الذي جعل بعضها أكثر حذرًا في الدخول في السوق الإيراني، كشركة "بي بي" البريطانية التي تفادت المشاركة في العطاء الأخير الذي طرحته الحكومة للمنافسة على حقوق التنقيب والإنتاج في إيران.
فضلا عن ذلك، فقد أصبحت خطوط نقل النفط والغاز الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط أكثر خطرًا، في ظل تصاعد حدة المخاطر الأمنية التي تواجهها بسبب تهديدات الجماعات الإرهابية المحلية. وقد تعرضت خطوط أنابيب النفط الواصلة بين إيران وتركيا لحوادث متكررة في أواخر عام 2016. وفي 4 يناير 2017 أيضًا، تعرض خطا أنابيب نقل وتصدير النفط الخام الإيرانيين الواصلين بحقلى "مارون" و"بحركان" لتفجيرين. وبالطبع، فإن الحوادث السابقة تثير كثيرًا من الشكوك المستقبلية حول مستويات الأمان التي تتمتع بها خطوط أنابيب النفط بالمنطقة.

والأعباء المالية، بجانب التحديات السابقة، لا تبدو صناعة النفط في مناطق أخرى من الإقليم مثل كردستان العراق على ما يرام، بسبب ارتفاع المخاطر الأمنية وانخفاض أسعار النفط، بجانب ديون الحكومة للشركات النفطية الأجنبية، والتي تبلغ مليار دولار. وتنتج حكومة إقليم كردستان حوالي 600 ألف برميل يوميًا من الحقول التي تسيطر عليها. وعلى ضوء المشاكل السابقة، انسحبت بعض الشركات الأجنبية مثل شركة "إكسون موبيل" الأمريكية المختصة من ثلاثة كتل نفطية إستكشافية في الإقليم، وهى "بيتواته" و"عربت" و"قرة هنجير". ومنذ عام 2014، تخلت الشركات الأجنبية عن ما يصل الى 19 كتلة إنتاج بسبب تصاعد المشاكل السابقة.

فى الختام يمكن القول إنه على الرغم من الصعوبات التي يمر بها سوق النفط بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أنه بات على عتبة مرحلة جديدة من الانتعاش، وهو ما سيوفر، دون شك، عوائد مالية مستقبلية لدول الإقليم، كما سيعمل على تأمين الطاقة بها.





الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;