نشر باتريك وير، الكاتب الصحفى المتخصص فى الشؤون المالية فى مصر لمدة 27 عاما، مقالا عبر موقع "ذا ناشونال" أشاد فيه بقرار البنك المركزى المصرى برفع أسعار الفائدة الأساسية بواقع 200 نقطة أساس، أى 2%، مؤكدا أنه كان قرارا حكيمافى ظل جموح التضخم، ودافع عن الأسباب التى لجأ البنك المركزى بسببها إلى اتخاذ القرار
وإلى نص المقال...
فى خطوة منه لكبح جموح التضخم، رفع البنك المركزى المصرى أسعار الفائدة الأساسية لديه بمقدار نقطتين مئويتين، وفى ضوء ذلك، سيتعين على البنوك الراغبة فى اقتراض الأموال أن تدفع الآن فائدة على هذه الأموال تبلغ نسبتها 17.75%، مقارنة بـ 15.75% التى كانت تدفعها فى السابق.
لقد بات التضخم يمثل أحد أكبر المخاطر التى تهدد الاقتصاد المصرى، إذ قفز معدله السنوى إلى 31.5% فى أبريل الماضى، ليسجل بذلك أعلى معدل تضخم على مستوى الاقتصاديات الأكبر فى العالم، باستثناء فنزويلا التى يشهد اقتصادها وضعا كارثيا.
وقد رأى منتقدو قرار رفع الفائدة أن القرار لم يكن ملائما، نظرًا لأن ارتفاع التضخم فى مصر، من وجهة نظرهم، جاء نتيجة تعرض البلاد لعدة صدمات عارضة أدت إلى رفع الأسعار، خاصة الانخفاض الحاد الذى شهده الجنيه المصرى فى أوائل شهر نوفمبر الماضى، والذى أدى لمزيد من الارتفاع فى قيمة الواردات، وسرعان ما تبعه زيادة أيضًا فى أسعار الوقود، وسبقت ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاث نقاط مئوية لتصل إلى 13%، الأمر الذى ساهم أيضًا فى ارتفاع الأسعار، ومن ثم فإن منتقدى القرار يرون أنه بمجرد أن يستوعب النظام هذه الصدمات، ستنخفض معدلات التضخم تدريجيا من تلقاء نفسها.
إلا أن المشكلة فى هذا النهج من التفكير تكمن فى أن معدل التضخم فى مصر كان بالفعل من بين أعلى معدلات التضخم على مستوى العالم، حتى قبل تعرض البلاد لصدمات الأسعار هذه، إذ بلغ معدل التضخم 15.5% خلال العام حتى أغسطس 2016، أى قبل حدوث الصدمات المذكورة بفترة طويلة، وفى ذلك الوقت لم يكن هناك معدل تضخم أعلى من المعدل المذكور على مستوى الاقتصاديات الناشئة، سوى فى دولتين فقط هما فنزويلا ونيجيريا.
وعلى عكس ما يراه منتقدو القرار، فإن الأمر ليس كذلك، إذ إن السبب الرئيسى لجموح التضخم فى مصر لم يكن تخفيض قيمة العملة المحلية، أو الزيادات التى تمت على أسعار الوقود، وإنما يكمن فى التوسع السريع الذى حدث فى حجم المعروض النقدى خلال الأعوام القليلة الأخيرة. فمنذ اندلاع انتفاضة 2011، شهدت الحكومات المتعاقبة فى تلك الفترة، والتى لم تشأ أن تزيد من حنق المواطنين المتمردين على الأوضاع، عجزا ضخما فى الموازنة العامة، موّلته فى حقيقة الأمر من خلال طبع النقود، ما أسفر عن وجود نقود كثيرة تطارد سلع وخدمات قليلة للغاية، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى زيادة الأسعار.
وفى الوقت نفسه، أدى هذا التوسع فى المعروض النقدى إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى، وهو ما أرغم البنك المركزى على تخفيض قيمة الجنيه فى نوفمبر الماضى. وقد ارتفع حجم المتداول من الجنيه المصرى أو حجم الودائع الجارية بالعملة المحلية بمقدار 19% خلال العام وحتى نهاية مارس، فى الوقت الذى كان الاقتصاد المصرى ينمو بمعدل أقل من 4%، ما يمثل حالة كلاسيكية للركود التضخمى، وتمثل العلاج فى اتخاذ الدواء المر والمحتوم فى أسرع وقت ممكن، إذ إن التأخير لن يجدى نفعا بل سيؤدى فقط إلى تطويل فترة المعاناة.
مما لا شك فيه أنه من خلال رفع أسعار الفائدة، سينجح البنك المركزى فى خفض معدل التخضم، إذ إن ارتفاع أسعار الفائدة سيغرى الأفراد والشركات للتوقف عن إنفاق أموالهم، والبدء فى ادخارها، ومن ثم يقل حجم كل من المعروض النقدى والاستهلاك، إذ سيقل مقدار الأموال المتاحة لشراء السلع والخدمات، ولن ترتفع الأسعار بالسرعة التى هى عليها الآن، وعندما ينخفض التضخم، يمكن للبنك المركزى أن يبدأ فى تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى.
قبل رفع سعر الفائدة، لم يكن هناك دافع لدى المواطنين للادخار، فقد كان متوسط العائد السنوى على أذون الخزانة لأجل 91 يوما التى تم طرحها للبيع قبيل رفع سعر الفائدة يوم الأحد الماضى هو 19.5%، وهو ما يقل كثيرا عن معدل التضخم، علاوة على ذلك فإنه فى أبريل، أى بعد مضى ما يقرب من ستة أشهر على قرار خفض الجنيه، كانت الأسعار ما زالت تتجه إلى الارتفاع، مسجلة زيادة قدرها 1.69% شهريا، وبأكثر من 22% سنويا.
جدير بالذكر، أنه بالنسبة للأشخاص الذين اشتروا أذون الخزانة، فإنهم سيحصلون على سعر فائدة سالب يقدر بنحو 3%، مع افتراض أن يظل معدل التضخم عند مستواه الحالى المرتفع. ومن المعروف أن أحد فوائد تخفيض سعر الفائدة هو إبقاء تكلفة الدعم الحكومى تحت السيطرة، بينما يتمثل أحد عيوبه فى زيادة تكلفة تمويل عجز الموازنة، على الأقل على المدى القصير.
وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى، لقد كان من بين الانتقادات التى وجهت إلى قرار رفع أسعار الفائدة، هو أن القرار سيؤدى لزيادة تكاليف الاستثمار بالنسبة للشركات، فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد المصرى ويفتقر بشدة إلى إجراءات تحفيزية. ولكن الحقيقة المحزنة هنا هو أن البنوك المصرية لم تكن تخصص جزءا كبيرا من أموالها لإقراض الشركات الخاصة، وإنما كانت توجه الجزء الأكبر من أموالها لمساعدة الحكومة على تمويل العجز فى الموازنة، من خلال اكتتابها فى الأذون وسندات الخزانة بصفة أساسية.
ومن المرجح أن كثيرا من الشركات القليلة التى كانت تتلقى تمويلا مصرفيا لن تجد صعوبة كبيرة فى الاقتراض بالدولار الأمريكى لتمويل استثماراتها لحين انخفاض أسعار الفائدة على الجنيه مرة أخرى.أما بالنسبة لهؤلاء الأشخاص القلقون بشأن الزيادة المؤقتة فى أسعار الفائدة، والذين يرون أنها قد تزيد من ألم الفقراء، فلربما كان الأجدر بهم أن يقلقوا بصورة أكبر على الضرر الذى يلحقه التضخم الجامح فى مصر بهؤلاء الفقراء.