قال إيهاب سعيد خبير سوق المال، أنه بالنظر على أداء البورصة المصرية خلال عام 2015، سيتضح أن السوق قد شهد العديد من الأحداث المؤثرة التى ألقت بظلالها على أداء السوق، وجعلت من عام 2015 أحد أسوأ الأعوام التى مرت على البورصة المصرية.
وقال سعيد :" بعد عام 2008 الذى شهد الأزمة المالية العالمية وفقد خلاله مؤشر السوق الرئيسى قرابة 69% من قيمته، وعام 2011 الذى شهد ثورة الخامس والعشرين من يناير وفقد خلاله مؤشر السوق الرئيسى قرابة 50% من قيمته، يأتى بعدهم عام 2015 كثالث اسوأ أعوام البورصة، حيث فقدت السوق خلاله قرابة 37،5% من قيمة مؤشرة الرئيسى EGX30 وتحديدا بهبوطه من مستوى 10066 نقطة أعلى مستوى خلال العام إلى 6300 نقطة أدنى مستوى خلال العام.
وأضاف سعيد :" كما فقد مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة EGX70 قرابة 43% من قيمته، وذلك بالهبوط من مستوى 604 نقطة أعلى مستوى خلال العام حتى مستوى 344 نقطة أدنى مستوى خلال العام والذى توافق أيضا مع أدنى مستوى له منذ تدشينه مطلع عام 2008.
فيما فقد رأس المال السوقى للبورصة المصرية قرابة 100 مليار جنيه من قيمته، كما شهدت العديد من الأسهم تحقيق ادنى مستوياتها السعرية منذ سنوات، وكان أبرزها سهمى جلوبال تيليكوم وعز الدخيلة واللذان اقتربا من أدنى مستوياتهما السعرية فى 11 عاما، وتحديدا منذ عام 2004، فيما شهدت أسهم أخرى أدنى مستوياتها منذ الإدراج بالبورصة المصرية وكان أبرزها سهمى المصرية للاتصالات والقلعة.
كما تراوحت الخسائر فى الأسهم الصغيرة والمتوسطة على 60 - 70% من قيمتها على مدار العام وأبرزها بعض اسهم قطاع الشحن، وأسهم قطاع الحليج
أما الأسهم القيادية فقد كان أبرزها من حيث تحقيق أكبر خسارة، سهم مجموعة طلعت مصطفى القابضة والذى فقد قرابة 53% من قيمته وذلك بالهبوط من مستوى 12،15 جنية حتى مستوى 5،80 جنيه، وكذلك الحال فى سهم المجموعة المالية هيرميس الذى فقد قرابة 51% من قيمته وذلك بهبوطه من مستوى 15،68 جنية حتى مستوى 7،65 جنيه، وأما الأكبر خسارة فكان سهم جلوبال تيليكوم والذى فقد قرابة 70% من قيمته وذلك بتراجعه من مستوى 5،03 جنيه حتى أدنى مستوى سعرى له فى 11 عاما عند ال 1،52 جنيه، وكان أقل الأسهم القيادية تراجعا خلال عام 2015 هو سهم البنك التجارى الدولى صاحب الوزن النسبى الأعلى على مؤشر EGX30 حيث فقد قرابة 32% فقط من قيمته وذلك بهبوطه من مستوى 47،36 جنيه كأعلى مستوى له خلال العام حتى مستوى 32،49 جنيه كأدنى مستوى له خلال العام.
ولذلك فقد اتسمت توصياتنا خلال العام 2015 بالتحفظ الشديد، وذلك نظرا للاتجاه الهابط الذى سيطر على أداء كافة مؤشرات السوق منذ فبراير الماضى، واقتصرت التوصيات على المتاجرات قصيرة الأجل خلال الارتدادات التصحيحية على الاجل القصير دون احتفاظ، وذلك باستثناء الايام الاخيرة من العام بعد ظهور بعض المؤشرات الفنية التى تشير إلى بداية الدخول فى حركة تصحيحية لأعلى، من الممكن استغلالها فى تحقيق أرباح جيدة على الأجل المتوسط، أو تعويض جزء من الخسائر الكبيرة التى تعرض لها كافة المستثمرين خلال العام المنقضى
وبطبيعة الحال كانت هناك العديد من الأحداث التى تسببت فى تلك التراجعات الحادة وكان أبرزها إقرار القانون رقم 53 بتعديل بعض أحكام الضريبة على الدخل ولائحته التنفيذية والذى تضمن فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية الناتجة من التعامل فى الأوراق المالية بقيمة 10%، بالإضافة إلى فرض ضريبة بقيمة 10% على التوزيعات النقدية، الأمر الذى تسبب فى إحداث حالة من اللغط بالسوق لاسيما بعد ظهور اللائحة التنفيذية للقانون والتى وصفت فى حينها بالإبهام، عدا عن تضمنها لبعض المواد التى لم تذكر بالقانون، مما كان له أبلغ الأثر السلبى على أداء البورصة المصرية لتفقد قرابة 80 مليار جنيه من قيمتها السوقية فى أقل من شهرين!.
ونظرا للتأثير السلبى الكبير على أداء السوق، أصدرت رئاسة الجمهورية قرارا بوقف العمل بالمواد المتعلقة بالأرباح الرأسمالية لمدة عامين، مع الإبقاء على ضريبة التوزيعات بقيمة 10%، وهو ما قلل من الأثار السلبية بشكل نسبى على أداء السوق بعد قرار التأجيل.
أما ثانى الأحداث المؤثرة على أداء السوق، فكان فى الإجراءات الاحترازية التى اتخذها المركزى المصرى بوضع سقف يومى للإيداع بالعملات الأجنبية عند 10،000 دولار للأفراد و50،000 دولار للشركات وذلك بهدف القضاء على السوق الموازية والمضاربة على الدولار، دون دراسة للتبعات السلبية لهذا القرار، على الرغم من أنه قوبل فى بادئ الأمر بالارتياح من جانب الكثيرين، اعتقادا منهم أن المركزى يملك سيولة كبيرة من الدولار تمكنه من السيطرة على سوق الصرف، الأ أن الواقع قد أثبت العكس، حيث عجز المركزى عن توفير متطلبات السوق، واكتفى بمزاداته الأسبوعية التى تصل بإجمالى ما يضخه بالسوق لما يقارب الـ 6،5 مليار دولار سنويا فى مقابل حجم واردات قارب على الـ 65 مليار دولار.
ولذا كانت النتيجة الطبيعية ندرة حادة فى الدولار، مما تسبب فى اختفاء المواد الخام للعديد من القطاعات، ليترتب عليها خسائر حادة، وارتفاع فى الأسعار أدى لزيادة معدل التضخم بمقدار 2،8% فى سبتمبر الماضى وهى الزيادة الأكبر منذ أكتوبر 2014، بالإضافة لتوقف صناعات عدة وتسريح آلاف العاملين، وتراجع الواردات من الدولار بعد لجوء بعض شركات الصرافة لحجزه بالخارج سواء الناتج من عمليات تصدير أو من تحويلات العاملين بالخارج، أو حتى تهريبه وتسليمه للمستوردين بعد سداد القيمة بالجنيه فى مصر بفارق من 3 – 4% .
وكان من الطبيعى أن تتأثر البورصة بتلك الإجراءات نظرا لخروج المستثمرين الأجانب من السوق خوفا من عدم توفر الدولار، وكذلك عدم دخول أى سيولة جديدة من الخارج خشية صعوبة تحويل الأرباح حال تحققها.
أما ثالث الأحداث وأهمها تأثيرا فكان فى إصدار شهادات جديدة من قبل أكبر بنكين فى مصر بقيمة 12،5% بارتفاع مفاجئ 2،5% عن أسعار الفائدة على الشهادات المماثلة مع صرف عائد شهرى بدلاً من ربع سنوى لتكون بذلك هى الأعلى منذ سنوات!!، ومن المعروف أن رفع أسعار الفائدة بهذا الشكل المفاجئ والمعدل الكبير إنما يعنى سياسة انكماشية واضحة ينتهجها البنك المركزى، الغرض الأساسى والمعلن، كان لمجابهة ارتفاع معدلات التضخم، ودعم قيمة العملة المحلية والغرض الآخر "الغير معلن"، محاربة الدولرة فى ظل النقص الكبير فى العملات الأجنبية بعد أن تم ضرب الموسم السياحى فى مقتل والتراجع المتوقع فى إيراد الدولة من العملات الأجنبية فى أعقاب حادث الطائرة الروسية.
وتسببت تلك الشهادات فى سحب جزء كبير من المعروض النقدى، حيث حصدت البنوك الحكومية قرابة 88 مليار جنيه من بيع هذا الشهادات فى 6 أسابيع الأمر الذى تسبب فى شح السيولة بالسوق، لتشهد مؤشرات البورصة تراجعات حادة وتفقد قيمتها السوقية قرابة 40 مليار جنيه وتقترب من أدنى مستوياتها السعرية خلال العام.
كما شهد عام 2015 أيضا انتهاء الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق، والمتعلق بالانتخابات البرلمانية مما يعنى أن مصر ولأول مرة منذ يناير 2011 ستنعم برئيس جمهورية منتخب ودستور جديد ومجلس شعب ينتج عنه حكومة منتخبة، وهى كلها كانت عوائق أمام الاستثمارات الأجنبية وخاصة المؤسسات العالمية طيلة الاعوام الأخيرة، ولكن نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة والأحداث السلبية التى أشرنا إليها، لم يكن لهذا الحدث الهام تأثيرة الواضح على أداء السوق، وان كنا نتصور أن يلقى هذا الحدث بأصدائه الإيجابية خلال الفترة القادمة، وتحديدا بعد عقد أول اجتماع للبرلمان وكذلك تشكيل الحكومة المنتخبة سواء تم الإبقاء على الحكومة الحالية بعد عرضها على البرلمان طبقا لنص المادة 146 من الدستور، أو تم تشكيل حكومة جديدة.
وأما أهم الأحداث الايجابية التى شهدها عام 2015 على الإطلاق فتجلى فى افتتاح قناة السويس الجديدة فى أغسطس الماضى بعد أن تم انجازها فيما يشبه الاعجاز خلال عام واحد فقط كما وعد الرئيس السيسى، ويعد هذا المشروع المرحلة الأولى لتنمية محور قناة السويس، والذى من المفترض أن ترتبط به عشرات المشروعات الكبرى، صناعيا وزراعيا ومشروعات خدمية تجعل من مصر مركزا رئيسيا لحركة التجارة العالمية.
وشهد المشروع بعض الانتقادات سواء قبل التنفيذ أو بعده، نظرا لعدم تناسب العائد مع التكلفة وإن كنا نرى أن تقييم العائد خلال الشهور القليلة الماضية لا يعد مؤشرا حقيقيا على نجاح المشروع، للعديد من الأسباب أولها وأهمها، أن ما تم انجازه هو مجرد المرحلة الأولى من المشروع، والهدف الرئيسي لا يقتصر على رسوم العبور الذى اعتمد عليها البعض فى التقييم، وإنما الهدف أشمل وأعم من هذا بكثير.
أما ثانى الأسباب فكان يعود بالأساس إلى تباطؤ النمو العالمى والذى نتج عنه تراجع فى حجم التجارة على مستوى العالم، والتقييم الحقيقى يجب أن يكون خلال فترات الانتعاش وليس فى فترات الركود، كما أن تنفيذ المشروع كان من المفترض أن يتم خلال مثل هذه الفترات من الركود، حتى لا يشكل عائقا أمام حركة السفن خلال ذروة النشاط التجارى العالمى.
وعن توقعاتنا تجاه البورصة المصرية خلال العام 2016، فنتصور أن الربع الأول من العام قد يشهد تحسنا واضحا فى أداء كافة المؤشرات، خاصة بعد أن أنهى السوق موجته الخامسة الهبوطية عند مستويات 6302 نقطة وظهور بعض الاشارات الفنية على مؤشرات العزم Momentum Indicators والتى أشارت الى تباطؤ واضح فى عزم الهبوط والذى غالبا ما يتبعه ارتفاعات تصحيحية لأعلى من المرجح أن تصل فى مؤشر السوق الرئيسى EGX30 إلى قرب مناطق 7250 ثم 7500 نقطة وكذلك الحال فى مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة EGX70 والذى نتوقع أن يواصل ارتفاعاته مستهدفا مستوى 400 - 405 نقطة.
ويجب ملاحظة أن تلك الارتفاعات المتوقعة لن تكون ناتجة من أى أحداث اقتصادية أو أنباء إيجابية، وإنما نتصور أنها لن تخرج عن مجرد حركة تصحيحية لأعلى على الأجل المتوسط لتعويض جانب من الخسائر القياسية التى شهدها عام 2015 فيما يعرف بالتصحيح السعرى، وإن كان ظهور بعض الأنباء الإيجابية سواء على الصعيد السياسى كانعقاد مجلس الشعب أو تشكيل الحكومة، أو على صعيد السوق نفسه كإتمام الاستحواذ على شركة سى.أى.كابيتال من قبل أوراسكوم للاتصالات بعد استحواذها على بلتون القابضة، من شأنه أن يؤدى لتسارع تلك الحركة التصحيحية لأعلى.
وأما عن أبرز القطاعات المرشحة خلال عام 2016، فنتصور أن يتصدرها قطاع الخدمات المالية بعد الاستحواذات الأخيرة للمهندس نجيب ساويرس عن طريق شركة أوراسكوم للاتصالات والتكنولوجيا على بلتون المالية وكذلك إعلان رغبتها فى الاستحواذ على سى.أى.كابيتال، الأمر الذى من المتوقع أن يعيد تقييم أسهم هذا القطاع، مما قد يعود بالإيجاب على أداء أسهمه المدرجة بالسوق.
بالإضافة كذلك إلى أسهم القطاع العقارى، والتى لا تزال أسعارها بالبورصة غير معبرة اطلاقا على حجم أصولها العقارية، عدا عن إعلان العديد من الشركات عن مشاريع ضخمة جديدة من المتوقع أن تنعكس على أرباحها خلال العام القادم ومن ثم أسعار أسهمها بالسوق، كما أن إقدام المركزى خلال الفترة القادمة بخفض قيمة الجنيه، من المتوقع أن يكون ذو أثر كبير فى تحريك القطاع العقارى الذى عانى من الركود الشديد خلال عام 2015 بعد أن كان قد شهد أحد أفضل فتراته بعد ثورة 30 يونيو، وكان أحد أهم القطاعات الدافعة لنمو الاقتصاد المصرى فى خلال النصف الأول من العام المالى 2014/2015 مع قطاع التشييد والبناء ليصل إلى 4،2% بالمقارنة مع نمو قدرة 2،2% خلال العام المالى 2013/2014 .
ويبقى أن نشير فى النهاية إلى أن الأوضاع الاقتصادية على المستوى الداخلي، وكذلك الاوضاع الجيوسياسية التى تحيط بالمنطقة تصعب بشكل كبير من تبنى رؤية واضحة على مدار العام القادم بالكامل، وان كانت هناك بعض الاصلاحات الاقتصادية المطلوب تفعيلها فورا بهدف إعادة الاقتصاد المصرى للمسار الصحيح، سواء فيما يتعلق بالسياسات المالية او النقدية.
وأضف إلى ذلك الظروف التى تحيط بالاقتصاد العالمى نتيجة استمرار التباطؤ فى معدلات النمو فى الاقتصادات الناشئة وكذلك فى الصين ومنطقة اليورو، عدا عن التراجعات الحادة فى اسعار النفط على خلفية تخمة المعروض المقدرة بحوالى 2 مليون برميل يوميا، فى ظل إصرار أوبك الحفاظ على حصصها السوقية على حساب مستويات الأسعار، بإبقائها على مستويات الإنتاج دون تغيير عند 30 مليون برميل يوميا، مما يشكل ضغطا على ميزانيات دول الخليج وتراجع حجم الفوائض الخليجية التى طالما شكلت عاملا مساعدا فى دفع الاقتصاد المصرى نحو تحقيق معدلات نمو مرتفعة.