يواجه الرياضيون صافرات الاستهجان بشدة في دورة الألعاب الأولمبية بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية. ولا يقتصر هذا الأمر على رياضة معينة، بل يمتد إلى جميع الألعاب، بما في ذلك المبارزة والسباحة وكرة السلة والتنس.
وفي حين تسمع صيحات الاستهجان في معظم الألعاب الأولمبية - على الرغم من فكرة أنه يجب الالتزام بالروح الرياضية - فمن الواضح بالفعل أن أولمبياد ريو أكثر ضجيجا من أي دورة ألعاب أولمبية أخرى أقيمت في الآونة الأخيرة.
ونركز هنا على ستة أنواع من صيحات الاستهجان التي سمعت بالفعل في البرازيل.
1: صافرات من أجل المتعة
يميل الجمهور البرازيلي إلى تشجيع أحد الفريقين، فيهتف لفريق أو لرياضي، ويطلق صافرات الاستهجان ضد المنافس. لكن هذا الجمهور قد يغير ولائه فجأة وبدون أية مقدمات.
قال مارك أدامز، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية يوم الاثنين: "الجماهير البرازيلية تبدو محايدة تماما. ويبدو أنها قد تطلق صافرات الاستهجان ضد رياضيين من بلدان عديدة، ومن الصعب للغاية معرفة سبب إطلاق صافرات الاستهجان ضد رياضي بعينه دون أخر."
ولاحظ أندي مياه، خبير في الألعاب الأولمبية بجامعة سالفورد، نفس الشيء.
ويقول: "فوجئت للغاية بحالة الصخب التي يحدثونها، واعتقدت في البداية أنهم لا يتمتعون بالروح الرياضية لأنهم يصرخون ويطلقون صافرات الاستهجان، ثم أدركت أن هذه هي طريقتهم في التفاعل مع دراما هذه الأحداث."
ويضيف: "هذه الأمر غير مؤذ. كنت أشاهد مباراة في المبارزة أمس وكانوا يطلقون صافرات الاستهجان ضد أحد اللاعبين، لكنهم هتفوا له بصوت عال عندما فاز في المباراة. الأمر كله جزء من هذا المشهد الرياضي، وهو الأمر الذي يستمتعون به."
وأشار مياه إلى أن أولمبياد 2012 بلندن كانت أكثر هدوءا، ولم يكن هناك صياح في كثير من الأحيان وكان الأمر يقتصر فقط على التصفيق.
2: صافرات ضد المرشح الأقوى
أظهرت الجماهير تعاطفا واضحا مع الأقل حظا للفوز. في إحدى مباريات كرة السلة التي أقيمت في الآونة الأخيرة كان الجمهور يشجع منتخب كرواتيا ويهتف له، في الوقت الذي يطلق فيه صافرات الاستهجان ضد منتخب إسبانيا الذي كان المرشح الأقوى للفوز بالمباراة. وانتهى اللقاء بنتيجة غير متوقعة بهزيمة إسبانيا 72-70.
وخلال أولمبياد أثينا 2004، على سبيل المثال، ساندت الجماهير منتخب العراق لكرة القدم في مباراة نصف النهائي أمام البارغواي، وأطلقوا صافرات الاستهجان في كل مرة تكون فيها الكرة عند منتخب باراغواي.
ويصف ديفيد هندي، مؤرخ في مجال وسائل الإعلام بجامعة ساسكس، صيحات الاستهجان في الألعاب الأولمبية بأنها "تقليد نبيل" وتذكير بأن هذا المشهد هو للجمهور وليس للمتنافسين.
ويضيف: "كان الجمهور دائما حريصا على رؤية الأشياء بشكل مثير، وكأنه صراع بين الأبطال والأشرار."
3: صافرات الاستهجان ضد الروس
واجه الرياضيون الروس رد فعل عدائي من الجمهور في ريو دي جانيرو، في أعقاب ظهور أدلة على تورط الرياضيين الروس في تناول المنشطات برعاية الدولة، وقرار اللجنة الأولمبية الدولية بعدم فرض حظرا شاملا على مشاركة اللاعبين الروس في الأولمبياد.
وبدأت صيحات الاستهجان بمجرد ظهور اللاعبين الروس في استاد ماراكانا خلال حفل الافتتاح.
يقول مياه: "سوف يواجه الروس صافرات الاستهجان دائما، إذ يعتقد كثيرون أنه لم يكن ينبغي على اللجنة الأولمبية الدولية أن تفرض حلا وسطا في هذه القضية."
وواجهت السباحة الروسية يوليا إفيموفا، التي منعت من المشاركة في المسابقات لمدة 16 شهرا في عام 2013 لكنها حصلت على حق المنافسة في ريو دي جانيرو بعد بعد التقدم بالتماس لمحكمة التحكيم الرياضية، واجهت صافرات الاستهجان في سباحة الصدر 100 متر وفي السباق النهائي الذي حصلت خلاله على الميدالية الفضية.
وانهمرت الدموع من عيني إفيموفا بعدما حصلت الأمريكية ليلي يكنغ على الميدالية الذهبية. وقالت كينغ: "هذا يثبت أنه يمكنك المنافسة بشكل شريف وتصل إلى القمة أيضا."
وأعرب الملاكم الروسي يفغيني تيتشينكو عن إحباطه من رد فعل الجماهير تجاه الرياضيين الروس.
وقال: "إنه لشيء مؤسف في حقيقة الأمر أن تتعامل الجماهير بهذه الطريقة، وأن تشجع أي شخص ضد روسيا."
ونقلت صحيفة "شيكاغو تريبيون" عن تيتشينكو قوله: "أنا مستاء حقا من ذلك، وهذه هي المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذه المعاملة. في الواقع، أنا أشعر بخيبة أمل إزاء هذا."
4: استهجان سياسي
استقبل الرئيس البرازيلي المؤقت ميشال تامر بصافرات الاستهجان وهو يعلن افتتاح دورة الألعاب الأولمبية يوم الجمعة. تولى تامر رئاسة البرازيل في شهر مايو الماضي بعد عزل سلفه، ديلما روسيف، من منصبها وسط مزاعم بالفساد. وتعالت صافرات الاستهجان على الرغم من أن تامر اختصر خطابه إلى جملة واحدة – وإن كانت حدة صافرات الاستهجان قد قلت جزئيا نتيجة أصوات الموسيقى والألعاب النارية.
استقبل الرئيس البرازيلي المؤقت ميشال تامر بصافرات الاستهجان خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقسو فيها الأولمبياد على النخبة السياسية، إذ واجه وزير الخزانة البريطاني السابق جورج أوزبورن ووزير الداخلية السابقة تيريزا ماي – التي تشغل الآن منصب رئيس الوزراء - صيحات الاستهجان عند تسليم الميداليات في الأولمبياد البارالمبية في لندن عام 2012.
يقول هندي: "كان هذا رد فعل فوري ومباشر من قبل الجمهور الغاضب من سياسة الحكومة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة والذين شعروا بأنهم لا صوت لهم."
ويضيف: "إنه مؤشر رائع يعكس مشاعر العامة وكيفية تعامل الشخصيات العامة مع ذلك بصورة خاطئة."
5: استهجان وطني
سرعان ما أظهرت الجماهير البرازيلية دعمها للرياضيين البرازيليين عن طريق إطلاق صيحات الاستهجان ضد منافسيهم. وكان لاعبو سباعيات الرجبي البريطانيون يتعرضون لصيحات الاستهجان في كل مرة تصل الكرة فيها إلى أيديهم، عندما لعبوا أمام البرازيل يوم السبت.
وواجه لاعب التنس الألماني داستن براون صيحات الاستهجان بعد سقوطه والتواء كاحله خلال مباراة في كرة المضرب مع اللاعب البرازيلي توماس بيلوتشي، على الرغم من أنه تلقى تحية الجمهور عندما نهض ونقل إلى المستشفى.
سقط لاعب التنس الألماني داستن براون وتعرض لالتواء في كاحله خلال مباراته أمام البرازيلي توماس بيلوتشي
تقول روندا كوهين، طبيبة في علم النفس الرياضي بجامعة ميدلسكس: "دائما ما كانت الألعاب الأولمبية مرادفا للاحترام الدولي، لذا فقد تؤدي صيحات الاستهجان من جانب الجماهير إلى تشتيت اللاعبين ومنعهم من تقديم أفضل أداء لديهم."
وبالطبع لم يكن الملاكم الكاميرون حسن ندام نجيكام سعيدا بعد أن خسر أمام البرازيلي ميشيل بورخيس بفارق النقاط، وسط الكثير من صيحات الاستهجان. وقال نجيكام إن الضوضاء ربما أثرت على الحكام.
وتعرض الرياضيون الأرجنتيون لصافرات الاستهجان أيضا في حفل الافتتاح، لمجرد أنهم أرجنتينيون – الأرجنتين هي المنافس التقليدي للبرازيل، ولاسيما في كرة القدم.
وطالت صافرات الاستهجان أيضا حارسة مرمى المنتخب الأمريكي لكرة القدم للسيدات، هوب سولو، التي نشرت صورا على وسائل التواصل الاجتماعي تستخف بفيروس زيكا. وكان الجمهور يهتف قائلا "زيكا" عندما تلمس سولو الكرة خلال مباراة المنتخب الأمريكي ضد نيوزيلندا يوم السبت.
ولم تقتصر صافرات الاستهجان على الأجانب وحدهم، إذ واجه المنتخب البرازيلي لكرة القدم للرجال صافرات الاستهجان خارج الملعب بعد الأداء الضعيف والتعادل السلبي أمام كل من جنوب افريقيا والعراق.
6: صافرات الاستهجان ضد الحكام
ولم يسلم الحكام من صافرات الجمهور البرازيلي.
تأهلت البرازيل تلقائيا، باعتبارها الدولة المضيفة، إلى منافسات الغطس الإيقاعي من منصة ثابتة ارتفاع 10 أمتار للرجال، على الرغم من أن الغواصين البرازيليين لم يكونوا على مستوى المنافسة. وبالطبع كان الحكام يمنحون اللاعبين البرازيليين أدنى الدرجات، وهو ما كان يثير استياء الجمهور.