بعد سنوات طويلة أحكم فيها قبضته على عالم كرة القدم، وكان الشخص الأقوى فى عالم الساحرة المستديرة، رغم انتقادات عديدة وجهت إليه ولعدد من المحيطين به، خسر السويسرى جوزيف بلاتر فى 2015 كل شىء.
وأصدرت لجنة القيم بالاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) قبل أيام قرارها، بإيقاف بلاتر رئيس الفيفا لمدة ثمانية أعوام عن ممارسة أى أنشطة تتعلق باللعبة، إضافة لمعاقبة الفرنسى ميشيل بلاتينى رئيس الاتحاد الأوروبى للعبة (يويفا) بإيقاف مماثل.
ورغم الصدمة الهائلة التى وجهت لسمعة بلاتر وفقدانه لكل السيطرة، التى فرضها على عالم الساحرة المستديرة لسنوات طويلة، ما زال بلاتر محتفظا بشىء واحد هو طريقته الخاصة فى رؤية الموقف المحيط به.
وانتقد بلاتر لجنة القيم وغرفة التحقيقات باللجنة، وقال، قبل صدور حكم الإيقاف عليه وبلاتينى، أن لجنة القيم تتعامل معه بشكل يشبه محاكم التفتيش.
وبعد صدور حكم الإيقاف، علق عليه بلاتر واصفا الحكم بأنه "مشين" وأوضح أنه سيطعن على الحكم، مشيرا "ما زلت رئيسا للفيفا" كما لو كان لا يزال متحكما فى كل شئون اللعبة حول العالم.
وقال جويدو توجنونى مدير الإعلام السابق بالفيفا "بلاتر يعيش فى عالمه الخاص.. ما زال ينظر للأمور على أنه ضحية وأنه غير مذنب فى أى شىء حدث".
وبعد عقود من الهيمنة التى شابتها العديد من شبهات الفساد، يسير بلاتر الآن على أنقاض إمبراطوريته المنهارة وبين ركام أحجارها.
بداية انهيار بلاتر
كانت بداية النهاية لنظام بلاتر فى فجر 27 مايو الماضى عندما ألقت الشرطة السويسرية، بناء على طلب من سلطات العدل الأمريكية، القبض على سبعة مسئولين رفيعى المستوى فى عالم كرة القدم من بينهم جيفرى ويب نائب رئيس الفيفا وذلك فى إطار التحقيقات التى تجريها السلطات الأمريكية فى فضيحة فساد.
ووجهت هذه الأحداث صدمة هائلة للفيفا قبل يومين فقط من انعقاد الجمعية العمومية (كونجرس) للاتحاد من أجل انتخاب رئيس الفيفا لأربع سنوات تالية.
بلاتر يكشف عن مؤامرة أمريكية
بدأ بلاتر فى الإشارة إلى وجود مؤامرة من معارضيه فى الولايات المتحدة، وأن هذا التوقيت لعملية القبض والكشف عن فضيحة الفساد يهدف إلى إضعاف فرصه فى الانتخابات، وقال بلاتر "على الأقل، يثور السؤال عما إذا كان هذا مصادفة".
ولكن بلاتر فاز فى الانتخابات التى جرت فى 29 مايو بعد انسحاب منافسه الوحيد الأمير على بن الحسين فى الجولة الثانية من التصويت، لتبدأ فترة الولاية الخامسة لبلاتر فى رئاسة الفيفا حيث فرض هيمنته على هذا المنصب وعلى قيادة الفيفا منذ 1998.
ورغم هذا، أثار بلاتر مزيدا من التساؤلات عندما أعلن بعد أربعة أيام فقط من انتخابه لولاية خامسة أنه يعتزم الاستقالة من رئاسة الفيفا، داعيا كونجرس الفيفا إلى اجتماع استثنائى فى أقرب وقت ممكن لاختيار من يخلفه.
وحتى الآن، لم يتضح ما حدث بالضبط فى أروقة الاتحاد خلال أيام قليلة ليدفع بلاتر إلى التفكير فى الاستقالة، والتزم بلاتر الصمت لكن أراد فجأة إجراء عملية إصلاح لتكون بمثابة خطوة أخيرة تتسم بالقيم فى مسيرته التى تشوبها الشبهات مع الفيفا.
وبعد 48 ساعة فقط من إعلان رغبته فى الاستقالة، جاء دليل جديد من الولايات المتحدة، حيث كان تشاك بليزر العضو السابق باللجنة التنفيذية للفيفا هو الشاهد الرئيسى على فساد الفيفا فى محكمة نيويورك.
وكانت الاتهامات موجهة فى البداية إلى مسؤولين باتحادى أمريكا الجنوبية (كونميبول) والكونكاكاف (أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبى) ولكن سرعان ما انتقلت الاتهامات إلى الفيفا نفسه.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ذكرت أن السلطات الأمريكية تعتقد أن جيروم فالكه سكرتير عام الفيفا أقدم على تحويل عشرة ملايين دولار لحساب مصرفى يتحكم فيه وارنر وأن هذا المال جاء من جنوب أفريقيا، التى استضافت بطولة كأس العالم 2010.
بلاتر يواصل الإنكار
رغم تزايد اتهامات الفساد والكشف عن المزيد من فضائح الفساد التى تورط فيها مسؤولون بالفيفا والاتحادات القارية الأعضاء فيه، واصل بلاتر 79/ عاما/ نفيه لأى مسئولية له عن هذا الفساد لكنه فى الوقت نفسه رفض السفر لأى من الدول، التى يمكن أن يلقى فيها القبض عليه أو تسليمه إلى الولايات المتحدة.
وكان فالكه هو المسئول التالى الذى سقط فى دوامة الفساد، حيث أعفى من كل مهامه ومناصبه فى سبتمبر الماضى وبشكل فورى نتيجة ادعاءات تورطه فى فضيحة فساد، وأنه تربح أو على الأقل حاول إعادة بيع تذاكر مباريات كأس العالم 2014 بالبرازيل.
الفساد يصل إلى مكتب بلاتر
واقتربت الشبهات تدريجيا من مكتب بلاتر حتى طرقت بالفعل باب بلاتر بعد اكتشاف مليونى فرنك سويسرى دفعها بلاتر إلى بلاتينى فى 2011 وأعلن المدعى العام السويسرى فى 25 سبتمبر الماضى فتح إجراءات جنائية ضد بلاتر للاشتباه فى "سوء تدبير بشكل غير مشروع، واستطرادا، اختلاس"، وذلك فيما يتعلق باتفاقية مع الاتحاد الكاريبى للعبة إضافة إلى سداد "غير مشروع" إلى الفرنسى بلاتينى، وخضع بلاتر للاستجواب كما خضع مكتبه فى الفيفا لعملية تفتيش إضافة لمصادرة بيانات، كما طلب من بلاتينى توفير معلومات.
وأكد بلاتر وبلاتينى أن هذا المبلغ كان نظير عمل قام به بلاتينى لصالح الفيفا بين عامى 1998 و2002، ولكن تأخر سداد هذا المبلغ لمدة تسع سنوات أثار الشكوك حول مصداقية مبررات بلاتر وبلاتينى.
إيقاف بلاتر 90 يومًا
ولهذا، قررت لجنة القيم بالفيفا فى أكتوبر الماضى إيقاف بلاتر وبلاتينى وفالكه بشكل مؤقت لمدة 90 يوما لكل منهم عن ممارسة أى أنشطة تتعلق باللعبة. كما قررت إيقاف الكورى الجنوبى تشونج مونج يون لمدة ست سنوات ليخرج بهذا من السباق على رئاسة الفيفا فى الانتخابات المقررة فى 26 فبراير المقبل.
وقبل انتهاء فترة الإيقاف المؤقت، تلقى بلاتينى وبلاتر الصدمة الكبيرة بقرار إيقاف كل منهما ثمانى سنوات وذلك فى ضوء التحقيقات التى جرت خلال الفترة الماضية.
ولم يكن بلاتر يتوقع بالتأكيد نهاية أسوأ من هذا لمسيرته مع الفيفا حيث كان يتمنى أن تمتد فقط حتى تنتهى بشكل مشرف خلال انعقاد كونجرس الفيفا فى 26 فبراير المقبل.
كما كان الإيقاف ضربة قاضية لبلاتينى الذى كان المرشح الأبرز لخلافة بلاتر فى رئاسة الفيفا لكنه خرج بشكل مشين من سباق الانتخابات.
حملة اعتقالات جديدة
وقبل اجتماع تنفيذية الفيفا فى الثالث من ديسمبر، تلقى الفيفا صفعة جديدة بالقبض على اثنين من نواب رئيس الفيفا هما الباراجويانى خوان آنخل نابوت والهندوراسى ألفريدو هاويت وذلك فى سويسرا علما بأنهما كانا أيضا رئيسى الكونميبول والكونكاكاف على الترتيب.
واعترف البرازيلى فيرناندو سارنى عضو تنفيذية الفيفا "كان كما لو توفى شخص. هذه كانت الأجواء فى قاعة الاجتماعات".
وحل سارنى فى عضوية اللجنة بدلا من مواطنه ماركو بولو دل نيدو أحد المسؤولين المتورطين فى فضيحة الفيفا التى أطاحت تقريبا بكل رؤوساء الاتحادات الأهلية لكرة القدم فى الكونميبول وأمريكا الوسطى والكاريبى.
ولخصت كلمات سارنى وضع الفيفا فى 2015 بل وفى الأجواء المحيطة بالفيفا.
وما زال اليويفا، الذى يمثل نموذجا للنجاح الاقتصادى والإدارى، بلا رئيس منذ إيقاف بلاتينى ولكن الاتحاد يسير كما لو كان بلاتينى موجودا.
كما غرمت لجنة القيم بالفيفا الإسبانى آنخل ماريا فيار، الذى يتولى قيادة اليويفا حاليا بدلا من بلاتينى، 25 ألف فرنك سويسرى لتقاعسه عن الالتزام بالقواعد العامة للسلوك خلال التحقيقات بشأن عملية منح حق استضافة بطولتى كأس العالم 2018 و2022.
ولم يعد اليويفا بهذا مرجعية أخلاقية فى مواجهة أى مخالفات باتحادات كرة القدم فى أفريقيا وآسيا وأمريكا. والأكثر من ذلك أن اليويفا يتجاهل حتى الآن ادعاءات بوجود فساد فى عملية منح حق استضافة بطولة كأس الأمم الأوروبية الماضية (يورو 2012) لبولندا وأوكرانيا.
وبهذا، يدخل الفيفا واليويفا والكونميبول عام 2016 بدون رئيس منتخب لأى منها كما ينطبق هذا على الاتحاد الألمانى أكبر اتحاد أهلى للعبة فى العالم حيث استقال فولفجانج نيرسباخ من رئاسة الاتحاد بعد الفضيحة التى تفجرت بشأن عملية التصويت على منح ألمانيا حق استضافة مونديال 2006.
كما طالت الشبهات بشأن ما إذا كانت ألمانيا اشترت أصواتا للفوز بحق استضافة المونديال فى 2006 أسطورة كرة القدم الألمانى فرانز بيكنباور.