استأنف مهرجان أبوظبى برنامجه الخاص بأعمال التكليف الحصرى الدولية خلال العام الجارى، بإطلاق العرض العالمى الأول "من آشور إلى إشبيلية" الذى أقيم فى "غران تياتر ديل ليثيو" فى برشلونة، إسبانيا، يوم 4 نوفمبر. وقدم العرض أستاذ العود العربى، وسفير الأمم المتحدة للسلام نصير شمة، برفقة 30 فنانا من خريجى بيت العود، لاستكشاف الحوار الثقافى المتبادل من خلال الجذور الموسيقية المشتركة وبخاصة بين آلتى العود والغيتار. وهو أول عرض موسيقى عربى يقام فى دار الأوبرا "ديل ليثيو" فى برشلونة.
ومن خلال عمل التكليف الحصرى هذا من مهرجان أبوظبى، والذى جاء فى إطار اتفاقية التعاون الموقعة فى العام 2015 بين دار "غران تياتر ديل ليثيو" ومجموعة أبوظبى للثقافة والفنون، الجهة المنظمة لمهرجان أبوظبى، قدم نصير شمة مزيجا فريدا بين الإرث الموسيقى العربى والغربى عبر أحدث معزوفاته، التى تسهم فى تعزيز روابط التاريخ الموسيقى المشترك بين العالم العربى وأوروبا، والاحتفاء بعظماء الموسيقيين العالمين.
وعلى مدى 90 دقيقية، استمتع جمهور "ديل ليثيو" الكبير بأداء رائع وليلة تاريخية قدمها نصير شمة وخريجو بيت العود من الجزائر والقاهرة وأبوظبى، يرافقهم كارلوس بينيانا عازف الفلامينكو الشهير من إسبانيا، وعازف البوزوكى اليونانى جيورجوس مانولاكيس. واللافت فى الأمسية، تقديم نصير شمة لأربع آلات عود جديدة هى حصيلة جهد ودراسة امتدت لسنوات، ومعرفة بل انتماء وحب عميق لآلة العود، وهي: عودلين، عودلا، عودلو، وعودباس.
وأبرزت الدكتورة حصة العتيبة سفيرة الدولة لدى المملكة الاسبانية، العلاقات الثقافية بين الإمارات وإسبانيا "وأن مثل هذه الفعاليات تساعد بشكل كبير على تعزيز الحوار والتواصل الثقافى بين البلدين، مؤكدة فى هذا السياق على أهمية حضور الثقافة بكافة أشكالها فى حوار الحضارات بين الدول، والذى من شأنه بناء العلاقات الحميمة بين الشعوب رغم اختلاف الثقافات واللغات والديانات.
وأكدت سفيرة الدولة لدى المملكة الاسبانية على أن المشروع الفنى الموسيقى "من آشور إلى إشبيلية"، الذى تنظمه مجموعة أبوظبى للثقافة والفنون فى إطار "مهرجان أبوظبي"، بالإضافة إلى دوره فى تعزيز الموسيقى فى الحوار بين الثقافات، يساعد بكل تأكيد فى تعزيز الروابط التاريخية المشتركة بين العالم العربى وأوروبا، لا سيما إسبانيا وشعبها، بالإضافة إلى نقل صورة حية إلى الشعوب الأوروبية عن دولة الإمارات وثقافتها التى تنطلق منها رسالة التسامح والسلام والإخاء بين مختلف شعوب العالم عبر الثقافة والفنون والآداب بشكل خاص وعن العالم العربى بشكل عام."
وقالت هدى إبراهيم الخميس ـ كانو، مؤسس مجموعة أبوظبى للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفنى لمهرجان أبوظبي: "تلعب مجموعة أبوظبى للثقافة والفنون، عبر مبادراتها الرائدة، وشراكاتها الثقافية الدولية، واستثمارها فى الفنون، دورا محوريا يعلى قيم التسامح والتعددية والانفتاح ولقاء الثقافات، ويسهم فى ترسيخ مكانة أبوظبى والإمارات على مشهد الثقافة العالمية".
وأضافت سعادتها: "فى لحظة إشراق حضارى وتفاعل موسيقى عالمى، يبرز العمل "من آشور إلى إشبيلية" أبعادا تاريخية كثيرة منها أنها المرة الأولى التى تعزف فيها الموسيقى العربية فى دار الأوبرا "غران تياتر ديل ليثيو"، برشلونة، أحد أقدم دور الأوبرا فى أوروبا والعالم، كما أنه عرض عالمى أول بتكليف حصرى بين مهرجان أبوظبى ودار أوبرا ديل ليثيو، برشلونة، الأمر الذى يؤكد العلاقات الفريدة بين الإمارات ومملكة إسبانيا ويعكس أهمية الدبلوماسية الثقافية فى حوار الثقافات والتبادل الحضاري".
وتابعت: "يحكى العمل حكاية الإرث والأثر من آشور إلى إشبيلية بتأليف معاصر جديد لنصير شمة، يقدم من خلاله خمس آلات موسيقية مبتكرة من عائلة العود، فى عزف مبدع بمشاركة أكثر من 30 من الموسيقيين من العالم العربى وإسبانيا، فى رهان واضح على استمرار الفعل الحضارى العربى عبر تجديد الفكر والاستثمار فى الطاقات الإبداعية عربيا وعالميا".
وقال سفير الأمم المتحدة للسلام، نصير شمة: "هدف هكذا فعالية هو تقديم صورة كبيرة عما نملك، عما نحن عليه، لا نريد إثبات شيء للعالم بقدر أن تتسع مساحة الجمال التى تجمعنا بالآخرين، وعلى هذا الجمال ينبنى الكثير من الحوارات والقيم والمبادئ التى تقود إلى سلام البشر فيما بينهم، وهنا أتكلم عن السلام العادل، الذى لا يقع فيه أى ضيم على أى طرف من الأطراف، سلام الموسيقى، الجمال، الثقافة، السلام الذى تبنى معه مستقبلا دون أن تخسر أى شيء من أرضك أو ثقافتك أو جوهرك".
وأضاف: "اليوم نقدم صوتا جديدا، نبهر من خلاله المتلقى، بعمق ثقافتنا، كيف تتوالد آلة العود وتصبح خمسة أحجام، وكيف تستطيع هذه الأحجام أن تعطى صوتا جديدا، إضافة إلى مهارات الشباب المختلفة، إذ نرى التونسى والعراقى واليمنى واللبنانى والمصرى والإماراتى وكل الدول الموجودة على خشبة المسرح، كيف لهذه الآلة نفسها أن تحتوى على كل هذه اللهجات، وهذه الإشارة المهمة التى نريد أن نقدمها. هذا ما عملنا عليه أنا ومهرجان أبوظبى ومجموعة أبوظبى للثقافة والفنون منذ عام 97، واليوم نحن هنا فى برشلونة لنكمل المسير ونقدم شيئا جديدا غنيا، نفخر به".
واشتمل العرض على مجموعة من المعزوفات التى تعكس رمزية العود كهوية وإرث حضارى وإنسانى كبير، كونه الأب لوتريات كثيرة خرجت منه وانتمت الى عائلته وتوزعت فى العالم، من الشرق، ومن العراق تحديدا، من قلب الحضارة الأكادية، حيث عزفت الأوركسترا التى قادها نصير شمة برفقة بينانا ومانولاكيس مقطوعات: جدارية الحياة، زقورة، مسار مضيء، بين النخيل، الأندلس تفتح أبوابها، تانغو، حوار، بصيص أمل، صولو من آشور إلى إشبيلية، إشراق.
وأسس نصير شمة "بيت العود" فى مصر عام 1998 كأكاديمية للموسيقى العربية، تسهم حاليا فى تطوير تعليم الموسيقى، بالإضافة إلى تمكين التراث الموسيقى كعنصر ثقافى مهم يزدهر بين الجيل الجديد، وعلى الرغم من تخريج بيت العود عازفين منفردين، إلا أنهم أيضا قادرون على الإبداع الموسيقى بشكل جماعى كأوركسترا، وقدموا عروضهم فى عدة مناسبات هامة مثل مهرجان قرطاج، ومعهد العالم العربى فى باريس، ومهرجان موازين فى المغرب، ومهرجان أبوظبى، ومهرجان بعلبك الدولى فى لبنان، ويستقبل الجمهور أمسيات بيت العود حول العالم بالكثير من الترحاب كما تحظى عروضهم بالإشادة.