صوته المميز الذى أبهر العالم وشهدت له كوكب الشرق أم كلثوم ينقلك إلى عالم الأساطير.. يغوص فى أعماق المجتمع المصرى ليعبر عن كل فئاته وشخوصه، فيقنعك بأنه عم مدبولى الطيب فى فيلم باب الحديد، والشيخ مبروك رجل الدين المنافق فى فيلم الزوجة الثانية، والبخيل المرابى فى عدد من أدواره، تراه طيبا حينا وشريرا أحيان أخرى وفى كل الأدوار لا تملك إلا أن تصدقه.
تستطيع أن تميز صوته من بين ألف صوت حين تسمعه بنبرة طيبة هادئة يقول: "قناوى يابنى.. البس بدلة الفرح.. هاجوزك هنومة»..وتشعر أنه يجسد قمة معانى النفاق الذى يجمل القهر والظلم ويغلفه بغلاف الدين حين يتحدث مع أبو العلا الفلاح المقهور محاولا إقناعه بتطليق زوجته ليتزوجها العمدة قائلا :"ماتعصلجش ياابوالعلا، إنطاع ياابنى، ده احنا غلابة، والله لما ندن على مدنى ماحدش هيسمعنا،الأكابر بس اللى بيتسمع كلامهم.. بيأمروا واحنا اللى ننفذ..واطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم".
إنه شيخ الفنانين وأحد عمالقة الفن ورواده الفنان العملاق حسن البارودى الذى تحل ذكرى وفاته اليوم حيث رحل عن عالمنا فى 17 سبتمبر من عام 1974.
وعلى الرغم من أن الفنان حسن البارودى لم يحصل على ادوار البطولة المطلقة إلا أن بصمته لا يمكن تكرارها حتى ولو شارك فى مشهد واحد، موهبته لفتت أنظار العالم فشارك فى أفلام عالمية بعدما لفت انتباه عدد من المخرجين العالميين، وفى السطور التالية نقدم لمحات من حياة الفنان الكبير فى ذكرى وفاته على لسان ابنه الدكتور أشرف حسن البارودى:
- ولد الفنان حسن البارودى بحى الحلمية بالقاهرة فى 19 نوفمبر عام 1898، واسمه بالكامل حسن محمود حسانين البارودى، وترتيبه الثانى بين إخوته، وكان والده يعمل مترجما بشركة توماس كوك، وكان يتقن اللغة الإنجليزية إتقانا شديدا، إلى جانب اتقانه للغة العربية حيث تعلم فى مدرسة الأمريكان، وبدأت مواهبه الفنية من الطفولة فكان رئيس فريق لتمثيل بالمدرسة.
- اختاره مدرس اللغة العربية ليلقى كلمة أمام سعد زغلول وبعدما انتهى من الخطبة ناداه سعد باشا، وقال له صوتك حسن مثل اسمك ومؤثر وقوى ومقنع، ولو عملت محاميا ستكون بارعا وتكسب القضايا من أول مرة، ورغم سعادته والدى بهذه الكلمات إلا أن حلم التمثيل ظل يراوده ولم يفكر فى غيره.
- بدأ حياته العملية مترجمًا فى شركة توماس كوك، ولكنه لم يكمل فى هذا المجال، والتحق عام 1920 بفرقة حافظ نجيب، وبعدها بفرقة فاطمة رشدى وجورج أبيض، وفى عام 1923 تقدم للعمل بفرقة رمسيس التى كونها يوسف وهبى مع عزيز عيد، وعمل كملقن لاكتمال عدد أفراد الفرقة، فوافق ى على أمل أن تأتيه فرصة للتمثيل، وكان يترجم مسرحيات يوسف وهبى ، وتحقق حلمه فى التمثيل عندما غاب استيفان روستى عن مسرحية «غادة الكاميليا»، فأُسند له يوسف وهبى الدور وأداه بنجاح كبير، ومن يومها تألق وذاع اسمه، فكان يعشق المسرح وشارك فى أكثر من 200 مسرحية ولكن أغلبها لم يتم تصويره ، والتحق بالمسرح القومى وظل يعمل به حتى خرج على المعاش عام 1965 ، ومن مسرحياته المسجلة «القضية- السبنسة- كوبرى الناموس- سكة السلامة- بداية ونهاية- كرسى الاعتراف»
- كانت بداية حسن البارودى فى السينما عندما شارك عام 1920 فى فيلم ابن الشعب وتوالت أعماله السينمائية حتى وصلت إلى 100 فيلم من روائع السينما المصرية والعربية والعالمية، ومنها:" باب الحديد- الزوجة الثانية- الطريق- أمير الدهاء- حسن ونعيمة- جعلونى مجرما- زقاق المدق- هجرة الرسول- درب المهابيل- الشيماء- جريمة حب- بلال مؤذن الرسول- رسالة إلى الله- لحن الوفاء- الأم القاتلة- أقوى من الحب- الطريق»، وآخر فيلم شارك فيه فى نفس العام الذى توفى فيه وهو فيلم العصفور ليوسف شاهين سنة 1974.
- سجل للتليفزيون فى رمضان برنامج البنورة المسحورة 30 حلقة، وكان من أنجح البرامج، وفاز فى استطلاع لرأى المشاهدين كأفضل عمل تلفزيونى ، كما سجل للإذاعة ما يقرب من 540 حلقة من كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى، وكان برنامج يومى يقوم فيه بدور الأصفهانى، وشارك فى هذا البرنامج كل ممثلى مصر.
- فى نهاية الخمسينات جاء الممثل شارلتون هيستون ومعه المنتج يبحثون عن ممثل عربى بمواصفات خاصة للمشاركة فى فيلم الخرطوم، وشاهدوا عددا من الأفلام العربية ووقع اختيارهم على الفنان الكبير حسن البارودى وفوجئوا بأنه يتقن اللغة الإنجليزية ، ثم شارك البارودى وفى فيلمين آخرين هما فيلم «ثلاث قصص مصرية»، والفيلم الألمانى «روميل يغزو القاهرة"
- قال عنه المخرج الأمريكى "جورج راتوف"إن صوته يساوى مليون جنيه "، وعندما سألوا أم كلثوم عن أكثر صوت يعجبها من الممثلين، قالت: «حسن البارودى يغنى على المسرح بصوته وتعبيراته"