"إن الموت علينا حق إذا لم نمت اليوم سنموت غدًا، وأحمد الله أننى مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، تحياتى إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلى، تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى.. تحياتي لبلدى.. أخيرا تحياتي لأولادى وأسرتى"، كانت هذه الرسالة آخر ما كتب الراحل المبدع محمد فوزى عبقرى الغناء والتلحين الذى تحل ذكرى وفاته اليوم الموافق 20 أكتوبر من عام 1966 فى وصية كتبها قبل موته بساعات بعد معاناة كبيرة مع مرض نادر اختار شخصا نادرا.
وتشير الرسالة إلى إيمان هذا الفنان العبقرى ومدى معاناته مع المرض، وكيف وصل إلى درجة من الشفافية جعلته يتوقع يوم وفاته بل ويطلب أن يصلى الناس عليه فى يوم الجمعة، وكانله ما أراد.
وعانى فوزى فى حياته من أجل الفن الذى عشقه وأعطاه بلا حدود ومنحه من جمال روحه ، فبقى وأحبته الملايين من كل الأجيال، غنى للوطن والأطفال والمحبين وتعبد بفنه فناجى ربه" قف بالخشوع وناجى ربك.. فهو الكريم يجيب من ناداه"، فمنحه الكريم حبا بلا حدود وبقاء للأبد.
تعرض فوزى فى بداية حياته لعدد من الإحباطات حتى حقق نجوميته وشهرته الواسعة واستطاع التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية، وقام ببطولة عشرات الأفلام ، وأسس شركة للانتاج السينمائى، كما أسس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات، وهى أول شركة اسطوانات مصرية، وكان تأسيسها ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشاً، وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما.
وكانت الضربة القاصمة لجميل الروح وصانع السعادة التى ربما كتبت نهاية حياته، عندما تم تأميم شركة مصرفون عام 1961، وتعيينه مديراً لها بمرتب 100جنيه الأمر الذى أصابه باكتئاب حاد كان مقدمة رحلة مرضه الطويلة، حيث أصيب بمرض سرطان العظام الذى لم يكن معروفا وقتها وسمى باسمه " مرض فوزى "، وعانى معاناة شديدة مع المرض حتى نقص وزنه بشدة من 90 كيلو إلى 37 كيلو.
وقبل وفاته بساعات كتب فوزى كلمات يودع فيها جمهوره ومحبيه ، وطلب دفنه صباح اليوم التالى الذى كان موافقا يوم جمعة وقال فى كلماته الاخيرة : " منذ أكثر من سنة تقريبًا وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التي أجريت لي، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئا فشيئا، وبدأ النوم يطير من عيني واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض، كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء إلى أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزني ينقص، وفقدت فعلا حوالي 12 كيلو جرامًا، وانسدت نفسي عن الأكل حتى الحقن المسكنة التي كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمي يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فيّ، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعروني بآلامي وضعفي وأنا حاسس أني أذوب كالشمعة" ، وبالفعل توفى فوزى بعد ساعات من كتابة هذه الرسالة فى 20 أكتوبر 1966، عن عمر ناهز 48 عامًا، وتحقق له ما أراد وتم دفنه فى يوم الجمعة.