ظلت الدراما المصرية عقود طويلة هى المعبر الأبرز والأهم عن كل الأسر العربية وفى مختلف بلدان الوطن العربى، حتى إن معظم بل كل الفضائيات الخليجية والعربية كانت تنتظر بلهفة ما تقدمه لهم الدراما المصرية، لتنير بها شاشاتها، ربما إبان الثورات الأخيرة، ومنذ يناير بالتحديد، شهدت الدراما المصرية والعربية بعض العراقيل، لكن خلال العامين الأخيرين بدأت تتشافى وتتعافى لتعود الدراما إلى طريقها الصحيح، وتتجه للجوانب الاجتماعية، لتضع الضوء على المشكلة ثم تتناول طرق علاجها بشكل درامى مقنع ومشوق، وهذا ظهر فى عدة مسلسلات لكنها ليست كثيرة.
هنا لن أتحدث عن ما تعرضه الشاشة المصرية بأكملها، ولكن سأخص بالذكر مسلسل "قوت القلوب"، والمعروض حاليا على قناة الحياة برئاسة المجتهد حازم شفيق، من بطولة ماجدة زكى، للمؤلف الموهوب محمد الحناوى، والمخرج الكبير مجدى أبو عميرة وإنتاج شركة سينرجى، فمع بداية عرض الحلقة الأولى لاقى المسلسل صدى واسع بالفعل، لتتصدر الحلقة مؤشرات البحث على جوجل، وكأن الجمهور كان متعطشا للدراما الإجتماعية الحقيقية البعيدة عن القتل والعنف "عمال على بطال"، والحق يقال أن خفة ظل ماجدة زكى وتلقائية أدائها مع حدوتة المؤلف محمد الحناوى، ولمسات مجدى أبو عميرة السحرية ورؤيته الإخراجية المختلفة فرضت نفسها، وكأن الدراما الإجتماعية تعود لأهلها فماجدة زكى صاحبة المحطات التليفزيوينة الاستثنائية والأدوار التى تفرض بهجة على متابعيها، مثل أدوارها بمسلسلى "عباس الأبيض"للنجم الكبير يحيى الفخرانى، و"عائلة الحاج متولى"، للعملاق الراحل نور الشريف وغيرهما.
فى مسلسل "قوت القلوب"، ابتعدت ماجدة زكى كعادتها عن النمطية فى الأداء، وجعلت شخصية "قوت" الإمرأة الشعبية حقيقة تتجسد على الشاشة، إمرأة من لحم ودم، تخطئ وتصيب فهى ليست ملاكا، تُضحكك كمشاهد وتبكيك أحياناً كباقى النساء ، وهو ما جعلها تصل لأقصى درجات الإقناع فى كل مشهد تؤديه، بتلقائية أدائها المعهود وإنغماسها فى تفاصيل الشخصية، فهى قادرة على التنقل من إحساس لأخر فى لحظات وهذا بدا واضحا فى كل المشاهد التى جمعتها بأبنائها الخمسة، ومديرة المدرسة التى تعمل فيها وتجسدها ليلى عز العرب، وكذلك مشاهدها مع رجل الأعمال "خالد زكى".
كان متوقعا ظهور ماجدة زكى بهذا الشكل المميز والمختلف، خاصة وأنها تقف أمام كاميرات المخرج مجدى أبو عميرة المعجون بالدراما التليفزيونية، صاحب الروائع التى حققت نجاح منقطع النظير، وجعلت الدراما المصرية فى المقدمة لى مدار عقود طويلة.
حرص "أبو عميرة" فى "قوت القلوب" وبدءا من الحلقة الأولى على أدق التفاصيل فى كل مشهد، من حيث الكادرات المختلفة، وما الذى يجوز دراميا من عدمه، خاصة وأنه من المخرجين الذين يديرون الممثل ولايتركه لعنانه يدير المشهد كيفما شاء، حتى يصل إلى أفضل المطلوب وفقا لرؤيته الإخراجية التى يراها هو، وحتى لا يترك المؤدى أمامه يدخل فى مرحلة المبالغة أو البلاهة فى الأداء فيخرج ضعيفا.
مؤلف المسلسل محمد الحناوى ظهرت لمساته المختلفة خلال الحلقات الأولى، وهى المشاهد المكتوبة بخلفيات ثقافية، على سبيل المثال مشهد المحامى الشاب نجل قوت، ويجسده محمد أنور عندما تواجد فى قسم الشرطة فى مشادة مع فراس سعيد، تحدث محمد أنور فى المشهد بوقائع وأدلة قانونية، خاصة وأن الحناوى من دارسى القانون، فبدت المشاهد طبيعية تحمل معلومات صحيحة، أيضا السيناريست محمد الحناوى منذ أولى تجاربه بمسلسل "خاتم سليمان"، لخالد الصاوى، والذى قدمه فى أعقاب ثورة يناير، وهو حريص على تقديم الدراما الاجتماعية التشويقية ذات المضمون والهدف، وهو ماظهر بشكل أكبر فى مسلسل "قوت القلوب"، الذى يطبطب على كل سيدة شعبية بسيطة ويعطيها أملا فى الحياة بأن غدا سيكون أفضل مهما كانت حجم المتاعب والصعوبات فى إطار حدوتة مشوقة.
الكيمياء الحاصلة بين مجدى أبو عميرة وسينرجى المنتجة للمسلسل ليست بجديدة، فسبق وجمعتهما ثلاثية "قلب ميت"و"بره الدنيا"و"الصفعة"، من بطولة شريف منير، وحقق الثلاث أعمال نجاحا مبهرا، فقد كان مسلسل "قلب ميت"، والذى عرض فى رمضان 2008 بمثابة إعادة إكتشاف لـ شريف منير كممثل، وإعادته بشكل قوى للدراما التليفزيوينة بشخصية "رضا أبو شامة"، والعمل فى مجملة كان بمثابة نقلة نوعية للدراما التليفزيوينة وقتها بإستخدام الأكشن والحركة والإيقاع السريع بالتوازى مع الدراما الإجتماعية التى أعتاد عليها جمهور دراما أبو عميرة وأنصاره.