رحل الفنان المبدع هادى الجيار الذى يحمل الكثير من صفات اسمه، فعلى الرغم من أنه بدأ حياته مشاغباً فى مدرسة المشاغبين، فإنه كان مختلفا عن باقى رفاقه، هادئا لا يتحدث كثيرا، يعمل ويبدع ويترك أعماله لتتحدث عن قوة موهبته، حين تستمع إليه أو تراه وتستمتع بأدواره المختلفة والمتنوعة، تشعر بأنه خير ممثل للطبقة الوسطى، يستطيع التعبير عنها، سواء بارتدى جلباب ليؤدى أدوار الفلاح والصعيدى والمعلم ابن البلد، أو ارتدى قميص وبنطال ليعبر عن حال الموظفين والمثقفين والعمال، فيستطيع بقدرة فائقة أن يجسد كل الانفعالات والأحاسيس، وأن تصدقه فى كل الشخصيات.
وكان هادى الجيار فى حياته منتمياً للطبقة الوسطى، ولم يكن من فئة الفنانين الذين يحصدون الملايين وابدا لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، وهو ما عبر عنه فى أخر حوار أجريناه معه قبل رحيله بشهور قليلة.
تحدث الفنان الكبير بلسان من عانى وجاهد فى حياته الفنية، ولم يكن مشواره مفروشاً بالورود، وأجاب عندما سألناه هل يمتلك أحد أبنائه أى ميول فنية: «عندى بنتين تخرجا من كليتى الإعلام والتجارة، ورفضت حد فيهم يحترف التمثيل لأن الشغلانة صعبة جدا»
وتابع: «المخرج إبراهيم الشقنقيرى عرض على ابنتى الكبيرة دورا فى مسلسل، ورفضت أن تمثل، لأن التمثيل مهنة شاقة جدا، بنقعد نمثل للفجر، فى عز الحر وعز التلج والناس مش متخيلة معاناة الفنان، كل كلامهم عن الفنانين ساكنين فين وبياخدوا كام»
وبمرارة قال: «الإعلام خلق صورة لا تعبر عن جموع الفنانين، والناس فاكرة إن كل الفنانين عندهم شاليهات فى الساحل الشمالى وساكنين فى فيلات فخمة، وأجورهم خيالية وبالملايين وبيعبوا فى الفلوس، وكأن الفنان كائن مختلف مرفه»، وتسائل قائلا: «انتم كإعلاميين كلكم بتاخدوا ملايين؟!! هما كام واحد اللى بياخدوا الأجور دى، سواء فى الفنانين أو الإعلاميين، لكن نشوف فى كام عضو فى نقابات الفنانين والموسيقيين»
وتابع: «أنا بشتغل بقالى حوالى 50 سنة، إحنا ناس عادية مستورين، وأنا كنت عضو نقابة فى 2007 وكنت بشوف زمايلى مطحونين، وبيعانوا من ظروف الحياة زى باقى الناس، ومش كلنا مليونيرات، حتى لما حد بيتعب بيقولوا أهو لو كان فنان كانوا سفروه المريخ يتعالج والحقيقة غير كده».
وقال الفنان الكبير فى حواره لـ "انفراد" متحدثاً عن بداياته: « اتولدت فى 28 يوليو عام 1948 ومكانش الوالد ولا الوالدة ولا حد من العائلة عنده ميول فنية، لكن وأنا عمرى 7 سنين حبيت الفن، عندما ذهبت مع قريب لى بيشتغل فى استديو، فدخلت ورأيت هذا العالم وحبيته وقررت أدخله، وشاركت فى فرق الهواة بالمدرسة، ولما خلصت ثانوية عامة، قررت التحق بمعهد التمثيل، وكان دفعتى «محمد صبحى ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب وشعبان حسين».
وأكد هادى الجيار أن جذوره ليست صعيدية، رغم اعتقاد البعض أنه صعيدى، ولكنه ضحك قائلا: «أنا من مواليد القاهرة، ولكن عليا عفريت صعيدى، وبحب كل حاجة لها علاقة بالصعيد، الأدوار الصعيدى والإيقاع والغناء الصعيدى وحتى الطبع الصعيدى».
وتابع مستكملاً تفاصيل بداياته: «خلال دراستى فى المعهد شاركت فى عدد من المسرحيات منها مسرحية القاهرة فى ألف عام، وبعدها طلب المخرج محمد فاضل من أساتذة المعهد يبعتوله ولاد شطار للمشاركة فى مسلسل القاهرة والناس عام 1972 وعميد المعهد والأساتذة رشحونى مع اتنين من زمايلى، فاختارنى من بينهم».
وعاد هادى الجيار بالذاكرة وابتسم قائلا: «كان أجرى فى الحلقة 8 جنيهات، وكان المسلسل فتحة خير وحقق نجاحا كبيرا»
وحكى عن بداية علاقته بالزعيم عادل إمام وترشيحه للمشاركة فى مسرحية مدرسة المشاغبين: «قابلت عادل إمام لأول مرة فى مكتب محمد فاضل، وكان بيتفق على شغل، فرشحنى للمشاركة فى مدرسة المشاغبين من بداية العمل فى دور لطفى»
وتابع قائلا: «المسرحية استمرت لسنوات وجمعتنا علاقة صداقة أنا وسعيد صالح وعادل إمام، وكنت أعرف أحمد زكى ويونس شلبى من المعهد واتخرجت قبلهم».
ويضحك الفنان الكبير وهو يستعيد ذكريات هذه الفترة قائلا:«كان أجرى فى مدرسة المشاغبين 15 جنيها فى الشهر، بمعدل 50 قرشا فى اليوم، وقتها ورونى عقد سيد زيان وفاروق فلوكس، لأنى كنت أول مرة أحترف فى المسرح، وهو ما يعادل مرتب موظف بشهادة جامعية، وكان ده أجرى أنا ويونس وأحمد زكى، وطبعا سعيد وعادل كان أجرهما أعلى، والمسرحية استمر عرضها سنوات، وجمعتنا علاقة صداقة طوال هذه الفترة، وبعد المشاغبين كل واحد شق طريقه فى اتجاه، وبقينا بنتقابل فى المناسبات الاجتماعية والعزاءات».