نجم يحمل الراية ويتمسك بها، يسير على طريق الرواد ومنهجهم، لا يتعامل مع المسرح كشقة مفروشة ولكنه يؤمن بأنه مدرسة ومؤسسة كما كان فى عهد العمالقة والرواد العظماء: يوسف وهبى ، ونجيب الريحانى، وجورج أبيض، وعلى الكسار وغيرهم، فأصبح مسرحه يحمل هذه المواصفات والقواعد والآداب، يؤمن بأن للفن رسالة يمكن أن يعلم ويربى ويؤثر، فدخل بابا ونيس كل بيت وتربت على مبادئه وحكاياته عدة أجيال.
هكذا هو الفنان محمد صبحى الذى يحتفل اليوم بعيد ميلاده ال 73 يشكل حالة ومدرسة فنية خاصة ونموذج مختلف، يجدر بنا أن نحتفل به و نفخر بما يقدمه، فنان دؤوب يؤثر فيمن حوله ، قادر على أن يقدم للفن نجوماً ينطلقون من مدرسته المسرحية إلى عالم الفن فيحملون نفس المبادئ والقيم، حيث قدم على مدار سنوات ما يقرب من 300 نجم تتلمذوا على يديه وبدأوا فى فرقته، ومنهم منى زكى وهانى رمزى وصلاح عبدالله وغيرهم.
حين تزور مسرحه فى مدينة سنبل للفنون تشعر أنك انتقلت بآلة الزمن إلى العصر الذهبى للمسرح، عصر الفرق المسرحية ورواد العمل المسرحى وعمالقة الفن ونجوم الزمن الجميل، الذين تنتشر صورهم جميعا فى كل اتجاه، حيث حرص صبحى على وضع صور كل نجوم الفن الراحلين فى مدخل المسرح، وخصص فى هذا المدخل ركنا خاصا بعشرات الجوائز التى حصل عليها خلال مشواره الفنى فى مصر والعالم العربى ومنها حصوله على لقب فارس المسرح العربى من مهرجان أيام الشارقة المسرحية عام 2011.
اتخذ صبحى من المسرح بيتا لا يفارقه ومنهجا يعمل على تطويره ومؤسسة لها خطة ورؤية، يحمل «وجهة نظر» فى كل القضايا الوطنية والاجتماعية ويترجمها فى قالب كوميدى يخلو من الإسفاف والابتذال، مراهنًا على الفن الراقى الذى يحمل رسالة، وهو ما جعل مقاعد مسرحه تمتلئ بعشاق الفن الراقى على الرغم من بعد مكانه.
عشق المسرح وعرف كيف تكون المسارح منذ كان طفلاً يتابع والده محمود صبحى وهو يعمل مديرا بفرقة يوسف وهبى، ومديراً للتسويق بهيئة المسرح والسينما والموسيقى والفنون الشعبية، فعرف معنى الفرق المسرحية وكيف تعمل كمؤسسة ذات منهج وخطة وفكر.
وصبحى واحد من كبار النجوم الذين يقدمون أعمالاً مسرحية ناجحة، ويتعامل مع المسرح كمؤسسة لها منهج وفرقة لها طعم ومذاق كما يحدث فى أوروبا وفى الكوميدى فرنيسيز، يعتمد على فرقة ثابتة لها تاريخ ، ومنهج وخطة ورؤية.
يقدس صبحى المسرح ويراه محراباً يتعبد فيه له طقوسه ومواعيده ونظامه المنضبط المقدس، الذى لا يقبل التهاون، مهموم دائما بحال المسرح المصرى يتحدث بحزن كلما تذكر أنه فى بداية عمله بالفن كان هناك 28 مسرحا تقدم أعمالا جيدة وراقية، ولكن تم هدمها لتحل محلها مولات وعمارات، لذلك ساهم خلال 20 عاما فى إعادة بناء وتجديد 5 مسارح منها مسارح القبة، والليسيه، والفردوس، حتى أقام مسرح مدينة سنبل.
وبثقة المتفرد المغرد خارج السرب قال فى حوار سابق معنا: «قد يكون هناك من يقدمون مسرحا أعظم منى ولكنى أجزم أنى مختلف ومنضبط وأسعى دائما للحفاظ على شرف المهنة وتنمية وتدريب أعضاء الفرقة من خلال تدريبات شاقة ومنضبطة".
قدم صبحى عشرات المسرحيات التى تناقش كل القضايا الاجتماعية والسياسية فى قالب كوميدى هادف، كما أعاد تقديم عدد من روائع مسرح الريحانى ولا يزال يجيد ويبدع، ويناقش القضايا الهامة.
ورغم أنه قدم عددا من الأعمال السينمائية، ومنها «الكرنك، أبناء الصمت، وبالوالدين إحسانا، أونكل زيزو حبيبى، الجريح، هنا القاهرة، الشيطانة التى أحبتنى، العميل رقم 13»، إلا أنه سرعان ما ابتعد عن السينما بعد غزو أفلام المقاولات، و قدم عددا من أهم المسلسلات وأكثرها نجاحا وبقاء فى أذهان الملايين من كل الأجيال بشخصياتها الواقعية وقضاياها الهامة، ومنها على بيه مظهر ورحلة المليون، ملح الأرض، فارس بلا جواد، بروتوكلات حكماء صهيون، بابا ونيس، التى شارك من خلالها ملايين الأسر فى تربية أبنائها، وذلك عندما قرأ مقولة سيدنا على بن أبى طالب «لا تربوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم سيعيشون زمان غير زمانكم".
وقبل شهور قليلة احتفل صبحى باكتمال 50 عاما على مسيرته الفنية، وكان احتفاله مختلفاً، اختار خلاله تقليد نادر بتكريم من ساهموا فى هذه المسيرة من زملاء وأساتذة وتلامذة من مدرسة صبحى، فكرم خلالها مايزيد عن 150 فنان من أجيال مختلفة.
واليوم نحتفى بعيد ميلاد صبحى الفنان المختلف وصاحب المنهج الدؤوب والرسالة الهادفة الجدير بأن نحتفى بوجود فنان مثله بيننا..كل عام وأنت صبحى المبدع وبابا ونيس المربى والمعلم والأستاذ الفاضل.