يحتل شهر رمضان مكانة كبيرة في قلوب وتاريخ المسلمين وفي تراثهم أيضًا، إذ ارتبطت العديد من المظاهر التراثية به ومنها المسحراتي، ذلك الرجل البسيط الذي يطوف الشوارع حاملًا على عاتقه مهمة إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، مرددًا التواشيح الدينية والابتهالات التي يصاحبها ضربات موسيقية منتظمة على طبلته المميزة.
ومع تطور العصر بدأت مهنة المسحراتي في الاندثار، مما ترك فراغًا كبيرًا في التقاليد الشعبية المرتبطة بشهر رمضان، لذا قرر القائمون على صفحة "البلاتفورم" تقديم المسحراتي بصورة جديدة تواكب الحداثة وهي برنامج "مسحراتي المحروسة".
"مسحراتي لفيت حاراتي من الجيزة للقاهرة.. يارب تمم لنا بالعتق من النيران".. بهذه الكلمات أعلنت "البلاتفورم" عن تقديمها لبرنامج "مسحراتي المحروسة" خلال شهر رمضان، وهو برنامج رسوم متحركة بتقنية 3D والـ 2D ، يعتمد على تقديم أشعار غنائية في شكل ابتهالات يشدو بها المسحراتي خلال جولته لإيقاظ الناس، وهي نفس الصورة المعتادة للمسحراتي التي نقلها عدد من الفنانين من الشارع إلى الإذاعة وشاشة التليفزيون في أعمال فنية ظلت راسخة في أذهاننا وشكلت جزءًا كبيرًا من وجدان المصريين، إذ كان من أشهر الفنانين الذين جسدوا شخصية المسحراتي هو الفنان الراحل "سيد مكاوي".
"مسحراتي المحروسة"، برنامج يهدف إلى إيقاظ روح المجتمع المصري المعروفة بالمحبة والإخاء والتعاون، والنابعة من عاداته وتقاليده الأصيلة، التي جعلته نسيجًا واحدًا متماسكًا عبر العصور في أوقات الرخاء والأزمات، وذلك باستخدام كلمات بسيطة لكنها مؤثرة وتدغدغ مشاعر المصريين لتذكرهم بهويتهم وكيانهم الروحي مثل: "أنا اللي نادر قلبي للفقرا.. ورقيت ولادي بـ يس وخواتم البقرة.. على جاري باب مفتوح.. وبابه مفتوح لي.. يسمعني لما اشتكي وبهمه بيبوح لي.. الباب في وش الباب بنجيب وبنودي.. وكل شدة سوا بالحب بتعدي.. شوف البيوت إزاي مسنودة على بعضها".
يعزز برنامج "مسحراتي المحروسة" من قيم الانتماء الوطني ونبذ الإرهاب والتطرف، من خلال رسائل فنية تدعو إلى المحبة والتسامح ونبذ الكراهية والتعصب الأعمى، بالإضافة إلى ترسيخ مفهوم المواطنة وهو أمر في غاية الأهمية في ظل الحرب الضروس التي تخوضها مصر ضد الإرهاب الأسود، واستمرار تضحيات أبناءها بتقديم أرواحهم في سبيل القضاء على أهل الشر الذين يتربصون بالوطن.
أيضًا البرنامج سيلقي الضوء على العديد من القضايا التي تتعلق بالمرأة، وذلك يتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 التي كلف بها الرئيس السيسي، فتمكين المرأة لا يمثل شأنًا خاصًا بالنساء وحدهن، وإنما هو ضرورة لبناء وطن قوي ومتماسك، هذا الأمر جعل القائمون على البرنامج يتناولون العديد من القضايا الخاصة بملف المرأة ومنها، محاربة التحرش، وقف العنف ضد المرأة، مشاكل المرأة المعيلة، التصدي لظاهرة زواج القاصرات، وتعزيز أدوارها القيادية، بجانب مساندتها في الحصول على حقوقها المدنية والسياسية.
رغم تركيز البرنامج على عدد من القضايا الهامة لكنه لم يتخل عن روح الشهر الكريم وعبق الماضي والذكريات، فقد جعل من المناطق الأثرية خلفية لعدد من الحلقات، لأن تلك المناطق تمثل ذاكرة مصر وتحتضن تاريخها كما أنها ما زالت حتى الآن تحتفظ بروح أهلها وطقوس شهر رمضان، ومنها الجمالية والأزهر والحسين والسيدة زينب.
"إيقاظ روح المحبة والتماسك عند المصريين"، هي مهمة البرنامج التي يسعى لإتمامهما في ثلاثين حلقة بحيث يُعرض كل يوم في الثانية صباحًا حلقة جديدة لا تتجاوز مدتها الأربع دقائق ونصف، ولكنها تحمل العديد من الرسائل الهامة التي من شأنها إحياء العادات والتقاليد المصرية التي كانت درعًا قويًا لحماية مصر على مر التاريخ، برنامج "مسحراتي المحروسة".. لوحة فنية متكاملة بأشعار مؤثرة بليغة كتبها إبراهيم رفاعي ويشدو بها الصوت العذب مجدي الرشيدي ومن إخراج د. زينب زمزم وإنتاج المجلس القومي للمرأة.