لم يكن يتصور يومًا أن تلك المهنة التى دخلها على قدمين ثابتتين (موهبته – خبراته) أن يخرج منها متكئًا على عكاز من خشب، فشريف الدسوقى الذى أفنى عمره متنقلا بين مسارح الإسكندرية ممثلًا وحكاءً، وصف رحلته الطويلة من المسرح إلى جائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2018 عن فيلم "ليل خارجى" بـ"الشاقة" لكنه لم ينكر متعتها في تعليق منه حين احتفلنا معه بحصوله على الجائزة، قائلا: "ربنا وهبنى الجائزة دى عشان أكون نموذج لكل الموهوبين وأدعوهم أن يتحملوا ويجاهدوا، كنت بصرف على التمثيل لأنى أشعر بالمتعة وأنا على خشبة المسرح، فأضطر أنى أصرف من جيبى فى سبيل هذه المتعة. عشان كدة بقول لكل موهوب اصبر وعافر".
نجاح شريف دسوقى لم يأتى صدفة، بل جاء خلال رحلة طويلة من المحاولات التى لا تخلو من لحظات فشل وإحباط لكن الإيمان بالنفس والإصرار يصنع المعجزات، لتتحول قصته لنموذج ملهم، فلم يتحمل العمل الوظيفى فى الهيئة العامة لقصور الثقافة ليقرر الاتجاه للعمل الحركى يصرف من أجره على التمثيل، فعمل فنى إضاءة وممثلًا ومخرجًا وحكاء، وبعد حصوله على جائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة يكلل الدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين، مجهوده بمنحه عضوية نقابة المهن التمثيلية سنوات من النحت فى الصخر بمسارح الثقافة الجماهيرية.
بدأ شريف دسوقى مشواره السينمائى عام 2003، بتجارب سينمائية محدودة، من خلال فيلم "العنف والسخرية" مع المخرجة أسماء البكرى، والفيلم القصير"حاوى" وآخر بعنوان "حار جاف صيفًا، كما شارك فى مسلسل "زى الورد" للفنان يوسف الشريف، عام 2012، وتعرف على المخرج أحمد عبد الله أثناء تصويره فيلم "ميكروفون" عام 2010، وشاهد فيلمه القصير "حاوى" ليقرر عبد الله ترشيحه لدور "مصطفى" فى فيلم "ليل خارجى".
فى عام 2002 ومع ظهور تيارالسينما المستقلة، نجوم وأسماء كبيرة بدأت تعرفه، بعدما رشح للفيلم القصير "حاوى" وكان السبب فى ترشيحه لفيلم "ليل خارجى"، وقبل ذلك عمل فنى إضاءة، إذ اكتسب تلك المهنة من خلال عمله فى المسرح، لأنه تربى فى مسرح إسماعيل يس بالإسكندرية ووالده كان مديرا للمسرح، وشرب منه كل ما يتعلق بالمهنة ومنها الإضاءة، فكان يجهز المسارح ويصمم إضاءة العروض.
ظروف قاسية عايشها شريف دسوقى وصفها في تصريحات سابقة لـ"انفراد" قائلا: معنديش حد يصرف عليا، وكانت معاناة شديدة، وأيام موجعة لأن مش كل وقت بيكون فيه شغل، لكنى ربيت نفسى على التحمل وعارف إن ربنا هيكرمنى فى يوم من الأيام، كل هذه المعاناة تسببت فى ثقل موهبتى، وطوعت آلامى للفن، وده خلى الناس تقولى وشك مليان شجن مصرى.
لم يلجأ دسوقى لطوابير الكاستينج الذى وصفها بأنها "مش fair" " وذلك لوعيه بموهبته فلم يرض أن يقرأ مشهدا فى 10 دقائق على أساسه يقبل أو يرفض، وفضل المشاركة فى أفلام قصيرة، ويقول في نفسه: "اصبر واتحمل لحد ما ربنا يريد".
مر شريف دسوقى خلال هذا المشوار الصعب بالعديد من المواقف المحبطة ففى 2010 كان يقدم عرضا مسرحيا بالقاهرة، وخرج الجمهور يقول لمخرج العرض: "أفضل ما فى المسرحية شريف دسوقى"، ليستفذ المخرج من ردود الأفعال وكان يتوقع أن يخرج الناس ويقولون له: "أنت مخرج جامد"، بعدها قال له: "متصدقش الكلام ده .. هم بيجاملوك عشان شبه إسماعيل يس، وعشان متتعبش نفسيا أديك قدمت عروض فكر بقى فى حاجة تانية غير التمثيل هتلاقى نفسك وتعرف تعيش"، بحسب تصريحات لشريف دسوقى لـ "انفراد".
لم تكن السينما هدف شريف دسوقى في حد ذاتها وخلق لنفسه مساحة من "الحكى" استوحاها من البيوت والشوارع، ونحت لنفسه طريقا حتى لا يكون واحدا من طابور المليون موهوب، حتى جاء جيل السينمائيين المستقليين الذين أمنوا به، فلفت نظر أحمد عبد الله مخرج "ليل خارجى" ونزل الإسكندرية خصيصا لمراقبته على طريقة عباقرة الزمن الجميل .