وجهه المنحوت يشبه شوارع مصر وحواريها، ترى فى ملامحه المرسومة وجه أبيك وجدك وجارك الطيب، وحين يبكى ترى دموع رجالها عندما يفيض الكيل، وعندما يضحك ترى خفة ظل شعبها الذى يسخر من همومه حتى ينساها أو يتعايش معها ويألفها، هكذا هو نجيب الريحانى الفنان الذى لا تجد أوصافا أو ألقاباً تصف قدره وعبقريته الفنية وإبداعه، الذى يمراليوم 72 عاماً على رحيله، حيث غادر عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 8 يونيو من عام 1949، ورغم ذلك ظل وسيبقى نهرا فياضا من الفن ينهل من عطائه ويتعلم فى مدرسته مئات الأجيال.
نجيب الريحانى أحد أهم رواد الفن والمسرح والسينما وأشهر الكوميديانات فى التاريخ الذى وُلد فى حى باب الشعريَّة بالقاهرة لِأبٍ عراقى كلدانى يُدعى «إلياس ريحانة»، كان يعمل بِتجارة الخيل، واستقر به الحال فى القاهرة وتزوج من مصرية وأنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب الذى تعلم فى مدرسة الفرير وانضم إلى فريق التمثيل المدرسيّ، وكان مثقفا يحب الشعر القديم وعشق المسرح والفن منذ طفولته.
عمل نجيب الريحانى فى بداية حياته موظفا بشركة السكر فى صعيد مصر، وتنقل خلال هذه الفترة بين القاهرة والصعيد وكان لِتجربته أثر كبير على العديد من مسرحياته وأفلامه وشخصية كشكش ببيه التى اشتهر بها.
كان المسرح والفن المصرى قبل نجيب الريحانى يعتمد على النقل والترجمة من المسرح الأوروبى، ويرجع الفضل للريحانى ورفيق عمره بديع خيرى فى تمصير الفن والمسرح وربطه بالواقع والحياة اليومية ورجل الشارع المصرى.
«عايزين مسرح مصرى، مسرح ابن بلد، فيه ريحة الطعمية والملوخية، مسرح نتكلَّم عليه اللُغة التى يفهمها الفلَّاح والعامل ورجل الشارع»، كان هذا هو المبدأ الذى تعاهد عليه الريحانى وبديع خيرى الذين اشتركا فى كتابة الأعمال المسرحية والسينمائية التى قدماها معاً، وهكذا كان وسيبقى فنه معبراً عن مصر وأهلها، ومدرسته مفتوحة يتعلم فيها نجوم الفن فى كل زمن وجيل، ورغم أن رصيده السينمائى لا يتجاوز 7 أفلام فقط فإن ثلاثة منهم ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية.
كان الفنان العبقرى نجيب الريحانى حكيماً خفيف الظل مرهف الحس تشبه شخصيته الطبيعية تلك الشخصيات التى قدمها فى السينما والمسرح، يتعامل مع الحياة بصدق وبساطة ومرح ، ويضحك معها حتى البكاء.
واشتهر الريحانى بالعديد من الطرائف والنوادر، حتى أنه كان يضحك على موته ويتندرعلى نفسه، وقبل رحيل الريحانى الذى فارق عالمنا عام 1949 سأله أحد الصحفيين قبل وفاته بفترة قصيرة: ماذا تقول فى رثاء نفسك ولو أتيح لك أن تكتب النعى بنفسك؟
فأجاب الريحانى قائلا: " مات شخصى وكان يجب أن يموت، مات كشكش بيه بعد أن ترك تراثاً من المسرحيات الخالدة، ومات الريحانى فلم يترك إلا ثروة من التريقة والقفش ، مات من كانت حياته كلها للسهر والعربدة والتضحية من أجل الغير"
وتابع الريحانى فى رثاء نفسه قائلا:" مات نجيب بعد أن كان لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، مات بعد أن شكا منه طوب الأرض، وطوب السماء إذا كان لها طوب، كان صريحاً فى زمن ساده النفاق، وكان بحبوحاً فى زمن طغت عليه القريفة، مات الريحانى ففى ستين سلامة"
ورحل نجيب الريحاني عن عالمنا فى 8 يونيو عام عن عمر ناهز الستين عامًا، بعد تدهور حالته بسبب مرض اليفويد، والذي أثر على رئتيه وقلبه ليلفظ أنفاسه الأخيرة فى المستشفى اليونانى بالعباسية ، وكان أخر أفلامه فيلم «غزل البنات»، الذى عرض بعد وفاته واضطر أنور وجدى أن يغير نهاية الفيلم بعد وفاة الريحانى.