إشكاليات عدة يواجهها المسرح المصرى، الأمر الذى جعل المثقفين والمسرحيين يرددون عبارة: "المسرح المصرى فى أزمة" ، ومع انحسار دور العرض المسرحى بهدم بعضها وتحويل أخرى إلى دور عرض سينمائى؛ وصف المسرحيون واقعنا بـ"الردة المسرحية" فى مقابل "النهضة المسرحية" التى شهدتها مصر فى الستينيات من القرن الماضى على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج، وكان لزامًا أن يتبنى القائمون على الفن سواء المبدعين أو الجهات التمويلية التابعة للدولة سياسة متطورة تصلح للتحدى الكبير الذى يواجهه المسرح، ورغم هذا كله، يظل السؤال؛ هل نعيش بالفعل انحسارًا مسرحيًا؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب الوقوف أمام الإحصائيات على المدى القريب لنقف على حال مسرح الدولة آخر 5 سنوات – على سبيل المثال - لنحلل الأرقام ونعرف على أى أرض نقف.
زيادة فى عدد العروض المقدمة فى الفترة 2016 : 2020
تكشف الأرقام؛ زيادة فى عدد العروض المسرحية المقدمة من مسرح الدولة بداية من عام 2016 وحتى عام 2020 رغم أن الأخيرة شهدت اندلاع جائحة كورونا ما ترتب عليها من غلق المسارح كإجراء احترازى لمنع انتشار المرض. وقدم مسرح الدولة 47 عرضًا مسرحيًا عام 2016؛ و60 عرضًا مسرحيًا فى 2017 بزيادة قدرها 13 عرضًا. و 62 عرضًا مسرحيًا فى عام 2018 بزيادة طفيفة قدرها عرضان مسرحيان، و72 عرضًا مسرحيًا فى عام 2019 ليسجل زيادة بمقدار 10 عروض مسرحية، ليدخل عام 2020 وتتراجع عدد الأعمال المسرحية المقدمة إلى 59 عرضًا بسبب تداعيات فيروس كورونا، لكن يظل أعلى من عام 2016 من حيث عدد العروض .
"ليلة من ألف ليلة" للنجم يحيى الأكثر تقديمًا بـ 291 ليلة عرض
أما عن أكثر العروض تقديمًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، فتصدرت مسرحية "ليلة من ألف ليلة" للنجم يحيى الفخرانى من إنتاج عام 2015 ومن تأليف بيرم التونسى وإخراج محسن حلمى، أكثر العروض تقديمًا على خشبة المسرح بـ 291 ليلة عرض، وتليها مسرحية "يوم أن قتلوا الغناء" من تأليف محمود جمال الحدينى وإخراج تامر كرم بـ 228 ليلة عرض وهى من إنتاج عام 2017، وجاءت ثالثًا مسرحية "قواعد العشق الأربعون" للمخرج عادل حسان بـ 185 ليلة عرض، من إنتاج عام 2017 ، وأخيرًا مسرحية المتفائل للنجم سامح حسين للمخرج إسلام إمام والتى حققت ما يزيد عن 175 ليلة عرض، وما زالت تفتح ستائرها أمام الجمهور حتى كتابة هذه السطور.
الأرقام لا تربط بين إقبال الجمهور على العرض المسرحى والنجم، فإن كان النجمان يحيى الفخرانى وسامح حسين فى قائمة الأكثر عرضًا، إلا أن "يوم أن قتلوا الغناء" و "قواعد العشق" من بطولة مجموعة من الشباب الموهوبين، وذلك يفند إشكالية الربط بين غياب النجوم عن "أبو الفنون"، وعزوف الجمهور عن الإقبال على العروض المسرحية، فجودة العرض وجمالياته المعول الأساسى متى توافرت أقبل الجمهور.
زيادة فى عدد المرتادين على المسارح بنسبة 12.6%
فى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الذى صدر تزامنا مع اليوم العالمى للمسرح، 27 مارس 2021 تسجيل عدد المسارح 40 مـسرحا عام 2018 وهو نفس عدد العام السابق، وبلغ عدد المشاهدين للمسارح 892 ألف مشاهد عام 2018، مقابل 792 ألف مشاهد عام 2017، بزيادة بلغت نسبتها 12.6% وبلغت جملة الإيرادات 36 مليون جنيه.
وبلغ عدد الـفرق المسرحيـة الوطـنية سجل 72 فرقة عام 2018 مقابل 74 فرقة عام 2017، بانخفاض بلغت نسبته 2.7% بسبب توقف بعض الفرق المسرحية.
وسجل عدد العروض التى قدمتها الفرق المسرحية الوطنية نحو 2351 عرضا عام 2018، مقابل 2740 عام 2017، بانخفاض بلغت نسبته 14.2% وبلغ عدد المشاهدين 620 ألف مشاهد عام 2018 مقابل 857 ألف مشاهد عام 2017 بانخفاض بلغت نسبته 27.7%.
وبلغ عدد الفرق المسرحية الاجنبية 75 فرقة عام 2018، مقابل 88 فرقة عام 2017 بانخفاض بلغت نسبته 14.8%، وبلغ عدد العروض 194 عرضا بعدد مشاهدين 31 ألف مشاهد عام 2018 .
نظرة على مسرح الستينيات أكثر الفترات ازدهارًا
مسرح الستينات واكب نتاج اجتماعى وسياسى قومى فمنذ عام 1956، بدأ تقديم أعمال كبار الكتاب الشباب، ومنهم ألفريد فرج ويوسف إدريس وسعد الدين وهبة وميخائيل رومان وانطلقت صحوة مسرحية شعرية، كان فارسها عبد الرحمن الشرقاوى وتبعه صلاح عبد الصبور ونجيب سرور، وعلى أثرهما جاءت أعمال فوزى فهمى، ويسرى الجندى، وحظيت مصر بعدد كبير مميز من المؤلفين والمخرجين الذين أسسوا العقيدة العلمية للمسرح المصرى الذى ارتكز حينذاك بقوة على وعى شخصيات تدير مؤسسات المسرح.
ومع بدايات 1964 نال البحث عن شكل مسرحى مصرى خالص اهتمام الكتاب من بينهم: توفيق الحكيم، يوسف إدريس، ألفريد فرج، نجيب سرور، محمود دياب، كما شهدت هذه الفترة تأسيس العديد من الفرق المسرحية، مثل فرق مسرح التلفزيون، وفرقة المسرح الحديث، والكوميدى، وفرق مسرح الحكيم، والفنانين المتحدين، الغنائية الاستعراضية، ومسرح المائة كرسى.
وأخيرًا؛ النهضة المسرحية الستينية، راجعة لوجود "الدافع" الذى اجتمع حوله عدد كبير من المسرحيين والمثقفين، فالمشاركون فى الثورة الثقافية المصاحبة لثورة يوليو تعلقوا بالثورة وعاشوا طموحاتها وتطلعاتها ومشروعاتها الناهضة، فقاموا بثورة مسرحية موازية لثورة الضباط الأحرار على نحو يمكن تسميتهم بالمسرحيين الأحرار، أما حال مسرحنا اليوم ورغم الوفرة المسرحية التى نشهدها إلا أننا نجد الأعمال الجيدة قليلة ونادرة وذلك راجع إلى غياب نسق معرفى وفنى وثقافى عام، وعلينا أن نبحث عن "دافع" يلتف حوله المثقفون والمسرحيون لنرى نهضة مسرحية مماثلة لما عايشته مصر فى الستينيات.