منذ أكثر من 15 شهرا، تعانى دور العرض السينمائية ليس فى مصر فقط بل فى العالم أجمع بسبب جائحة كورونا، ما ترتب على هذا الفيروس اللعين منع أى تجمعات سواء فنية أو غيره قد تساهم فى انتشار المرض، لذلك اقتصرت السينما المصرية طوال الفترة الماضية على الأفلام متوسطة القيمة الفنية والتكلفة الإنتاجية، خشيتا من التعرض لخسائر غير محسوبة، فانصرف كثير من عشاق السينما عنها، فضلا عن التأثر الكبير والواضح لقطاع كامل وكبير من موظفى السينمات من عمال وكاشير وغيرهم، بسبب حالة الكساد التى شهدتها السينمات.
اليوم تستقبل دور العرض السينمائية بمصر وباقى الدول العربية، فيلم "مش أنا"، للنجم تامر حسنى، بعدما قدم العرض الأول منه أمس بمجمع سينمات أحد مولات أكتوبر، فمن وجهة نظرى يعد هذا الفيلم بالفعل واحدا من أقوى أفلام تامر شكلا وموضوعا، حيث وصل فيه تامر لأقصى درجات النضج الفنى والحضور التمثيلى، وهو ما يتضح للمشاهد من الوهلة الأولى، من خلال شخصية "حسن" رسام الفنون التشكيلية، الذى لديه أحلام كبيرة يجد صعوبة فى تحقيقها بسبب حظه السيئ أحيانا وفقره الذى يعتبره أحد أسباب المعوقات التى تمنعه للوصول لحلمه، يضطر حسن للعمل فى مهن مختلفة مثل عامل فى فندق، ولكن إصابته بمرض نادر بيده اليسرى، يورطه فى العديد من المشاكل الكبرى، بل يكون عائقا أمام حياته للعيش حياة طبيعية.
الكوميديا التى يقدمها تامر حسنى فى الفيلم، تم توظيفها بشكل جيد دون اقحام إفيهات، وكأنها كوميديا يرتجلها تامر فى كل موقف، حيث نجح تامر فى الإمساك بمفردات الشخصية الصعبة والمركبة، ليبدو طبيعيا للغاية، خاصة وأنها وفقا لتتابع أحداثها بالسيناريو تضحك معها بهيستريا وسرعان ما تبكى عليها بسبب الأضرار النفسية الواقعة عليها بسبب مرضها النادر المزمن، أيضا المشاهد التى يقدمها تامر وهو يعانى من المرض، قدمها تامر باحترافية شديدة، وكأنه بالفعل يعانى من حركة إيده اللا إيرادية، أيضا المشاهد التى ظهر فيها منكسرا حزينا، وظف فيها تامر تعبيرات وجهه ونظرات عينه وانكساره، لدرجة تجعلك تتعاطف مع الشخصية وتبكى عليها، رغم إنها قبل دقائق أضحكتك بشكل هيستيرى.
اللافت للنظر أيضا والذى يحسب لـ تامر حسنى هى جراءته فى تقديم فكرة مختلفة وجديدة على السينما المصرية والعربية ربما كان يتخوف غيره من تقديمها، حيث أننا نرى مثل هذه الأفكار غير التقليدية فى الأفلام العالمية الكبرى فقط، والتى تجدها تنافس على كبرى الجوائز العالمية مثل الأوسكار، والجاذب أكثر أن القصة والسيناريو والحوار لتامر حسنى، لينجح تامر بامتياز فى أولى تجاربه كمؤلف سينمائى.
نجح أيضا تامر فى تقديم توليفة كوميدية بها خط رومانسى وآخر تراجيدى، وهو ما يجعلك أمام وجبة سينمائية دسمة مكتملة العناصر الفنية، خاصة فى ظل وجود فريق من الممثلين الاستثنائيين، مثل ماجد الكدوانى، الذى يقدم دور الصديق المقرب لتامر حسنى، حيث نجح بالفعل فى تقديم دويتو متميز مع بطل العمل، لنرى الاثنين معا فى مباراة تمثيلية كوميدية كل منهما يُسلم للآخر "إفية"، ويبنى عليه، دون أن يشعر المشاهد بكلل أو ملل، ولم يقتصر إبداع الاثنين على المشاهد الكوميدية فقط، بل رسما خطا تراجيديا متوازيا جعل هناك حالة درامية دسمة، فماجد الكدوانى بالفعل هو أستاذ السهل الممتنع المتمكن من جميع أدواته فى كل دور يقدمه، سواء كان كوميديا أو جادا، فهو قادر على جذب انتباهك أمام الشاشة والاندماج بشدة مع كل مشهد يقدمه.
ظهرت الفنانة الكبيرة سوسن بدر فى عدد قليل من المشاهد فى دور والدة حسن "تامر حسنى"، وهى السيدة العجوز طريحة الفراش، لتنجح هى الأخرى فى الإمساك بالشخصية، وهى عادة سوسن دائما فى إضافة لمساتها الخاصة على كل دور تقدمه، من حيث الانفعالات والشكل العام للشخصية، وهو ما بدا بشكل واضح للغاية فى فيلم "مش أنا" فلم تنشغل سوى مع ما تتطلبه الشخصية فقط، ويحسب للمخرجة سارة وفيق التى تخوض أولى تجاربها الإخراجية، حفاظها على إيقاع الفيلم، وظهور الممثلين فى أفضل حالاتهم، خاصة الفنانة حلا شيحة التى قدمت دور "جميلة" حبيبة تامر حسنى، فهى بالفعل من خلال الفيلم تعيد اكتشاف نفسها من جديد، حيث استعادت رشاقتها التمثيلية التى اعتاد الجمهور عليها فى بداياتها مع أفلام مثل "السلم والثعبان"، لتعوض إخفاقاتها التمثيلية فى أكثر من عمل تليفزيونى قدمته على مدار العامين الماضيين بعد عودتها للتمثيل.
وأخيرا وليس آخرا فيلم "مش أنا"، تجربة سينمائية فريدة ومتميزة يقدم من ورائها تامر حسنى رسالة وهى التمسك بالأمل والطموح مهما كانت المعوقات التى تواجهك حتى ولو كانت مرض مزمن صعب علاجه، فهناك أمل أقوى وهو الثقة فى الله ثم قدراتك، كما أن الفيلم بالفعل أعاد الحياة للسينما، وأنار دور العرض السينمائية التى كادت أن يسكنها العناكب، وأتوقع أن يحقق الفيلم إيرادات ضخمة للغاية فى ظل وجود توليفة سينمائية دسمة تتوافر فيها كل عناصر النجاح.