أكسبتهم ثقافتهم الواسعة ومواهبهم المتعددة وحضورهم الجميل شعبية وجماهيرية واسعة جعلت الجماهير تنتظر كل طلة لهم عبر الشاشات أو الإذاعات ومنحتهم قدرة فائقة على العطاء في العديد من المجالات، فلم يقتصر عطائهم وإبداعهم على التمثيل فقط ولكنهم أبدعوا حين خاضوا تجربة المذيع ومنحوها من صفاتهم ومواهبهم فتميزوا وأصبحوا علامة في المجال الإذاعى والفنى.
ومن بين هؤلاء النجوم عملاق من عمالقة الفن، له هيبة وحضور لا يمتلكهما غيره، فنان ذو قدرات هائلة وقوة تؤهله أن يجسد شخصية الطاغية بكل ما تحمله من معانى السلطة الغاشمة والظلم والديكتاتورية وهى المعانى التي جسدها فى شخصية عتريس بفيلم شيئ من الخوف، وشخصية العمدة صقر الحلوانى فى مسلسل عصفور النار ، وفى ذات الوقت يمكنه أن يجعلك ترى كل معانى الخير والحكمة والمبادئ حين تراه مجسدا شخصية أبو العلا البشرى فى مسلسله الشهير أو "أنيس" فى مسلسل سفر الأحلام، والاستاذ كامل سليم فى مسلسل العائلة.
لا أحد يمكنه أن يجسد كل شيئ وعكسه بنظرات عينيه وتعبيرات وجهه ونبرة صوته بقوة وإتقان الفنان العملاق محمود مرسى الذى ولد فى 7 يونيو من عام 1923 بالإسكندرية ليمنح الفن عملاقاً ومبدعاً من نوع خاص.
والده هو مرسي بك محمود نقيب المحامين بالإسكندرية، ودرس الابن محمود مرسى الذى كان يهوى الفن منذ صغره في القسم الداخلي التابع للمدرسة الثانوية اﻹيطالية، ثم التحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة اﻹسكندرية، وبعدها سافر إلى فرنسا لدراسة اﻹخراج السينمائي وقضى هناك خمس سنوات .
انتقل محمود مرسى إلى بريطانيا وعملفي هيئة اﻹذاعة البريطانية" بى بى سى" حتى وقع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، فاستقال من عمله حتى لا يذيع أخبارا كاذبة عن بلده، ولم يتردد فى أن ذأو يفكر في أن قرار الاستقالة قد يضر بأحلامه ومستقبله.
عاد محمود مرسى إلى مصر ليعمل في اﻹذاعة المصرية ثم في التلفزيون المصري، وبدأ مشواره الفنى مخرجاً، وظل بعد عودته خمس سنوات يعمل مدرسا للتمثيل والإخراج بمعهد الفنون المسرحية.
بدأ الفنان الكبير محمود مرسى التمثيل منذ عام 1962 من خلال فيلم (أنا الهارب) مع المخرج نيازي مصطفى، واستمر في العمل خلال فترة ستينات وسبعينات القرن العشرين، من أشهر أفلامه (الخائنة، السمان والخريف، أغنية على الممر، طائر الليل الحزين، أبناء الصمت)، ومنذ أواخر سبعينات القرن العشرين بدأ في اﻹتجاه للدراما التلفزيونية أكثر، فقدم مسلسلات ( الرجل والحصان، زينب والعرش، عصفور النار ، رحلة السيد أبو العلا البشري، بين القصرين، لما التعلب فات، وغيرها )، وحقق مسلسله العائلة الذى أذيع فى بداية التسعينات نجاحاً كبيرا حيث واجه الإرهاب فى عز سطوته، ورغم خطورة الدور والتهديدات لم يتردد رجل المبادئ فى محاربة الإرهاب بالفن مهما كلفه الأمر.
وعلى الرغم من أن الفنان الكبير محمود مرسى اشتهر بدور عتريس حتى أطلق عليه لقب عتريس السينما المصرية إلا أن شخصيته الحقيقة تقترب كثيرا من شخصية أبو العلا البشرى التى جسدها باتقان، فطوال حياته كان الفنان الراحل رجل مبادئ وصاحب موقف مهما كلفته مواقفه.
كان محمود مرسي مقلا في الأعمال السينمائية حتى إنه لم يقدم سوى 25 فيلما لأنه كان يحرص على اختيار أعماله بدقة.
واشتهر الفنان العملاق بأنه خجول جدا ومثقف وقارئ جيد و له أصدقاء قليلون، وكان مقلاً فى الظهور الإعلامى والصحفى.
تزوج محمود مرسى مرة واحدة فى حياته من سيدة المسرح الفنانة الكبيرة سميحة ايوب وأنجب منها ابنه الوحيد علاء ، ثم انفصلا فى هدوء، ولم يتزوج بعدها.
كتب محمود مرسى نعيه بنفسه ذاكرا فيه أسماء أقرب الناس إليه و أصدقاء العمر، ورحل فى 24 إبريل عام 2004 أثناء تصوير مسلسل "وهج الصيف" إثر أزمة قلبية.