يمر اليوم 98 عاما على رحيل عبقرى الموسيقى ومجددها الشيخ سيد درويش الذى رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم الموافق 10 سبتمبر من عام 1923، وهو في ريعان شبابه قبل أن يكمل 32 عاما من عمره، ورغم ذلك كان من أهم وأكبر مجددى الموسيقى والغناء في العصر الحديث، وأثرى الفن والطرب ونهض به نهضة كبرى استلهم منها كبار الموسيقيين الكثير من الإبداعات وتخرج من مدرسته عشرات الفنانين، وغنى في حياته بلسان الفلاح والعامل والموظف والشيال والجرسون، وقاوم الاستعمار بالفن وكان صوتاً لثورة 1919، كما عبر عن انصهار كل الطوائف والجنسيات في مصر فغنى بلسان المصرى والسودانى والاجريجى.
ولد سيد درويش في 17 مارس عام 1892 باﻹسكندرية لأسرة متوسطة الحال، والتحق وهو في الخامسة من عمره بأحد الكتاتيب ليتلقى العلم ويحفظ القرآن، وبعد وفاة والده وهو في السابعة من عمره، قامت والدته بإلحاقه بإحدى المدارس، وبدأت تتضح موهبته الفنية في المدرسة، حيث بدأ ينشد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهرى ثم عمل بالغناء فى المقاهى.
تزوج سيد درويش وهو في السادسة عشرة من العمر، وأصبح مسؤولا عن عائلة، وعمل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفّق، فاضطر أن يشتغل عامل بناء، وكان يغنى خلال العمل ، فيثير إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به الشيخ سيد درويش، فأعجبا بصوته واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908، ثم عاد سيد درويش إلى الشام في عام 1912 وبقي هناك حتى عام 1914 ، حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، ولحن أول أدواره يا فؤادي ليه بتعشق.
وفي عام 1917 انتقل سيد درويش إلى القاهرة، حيث سطع نجمه، ولحن لأكبر الفرق المسرحية.
وأسفر تعاون سيد درويش مع بديع خيرى عن تراث كبير ومبهر من الأعمال الفنية والوطنية التي لحنها وغناها سيد درويش وكتبها بديع خيرى، ومنها أغانى ثورة 1919 وأجمل تراث درويش ومنها أغانى: "دنجى.. دنجى، «مخسوبكوا أنداس، شد الحزام على وسطك، يا حلاوة أم إسماعيل، هز الهلال ياسيد، الحلوة دى قامت تعجن، البحر بيضحك ليه، اقرأ يا شيخ فقاعة تلغراف آخر ساعة، آه ده اللى صار"
وعن بداية هذا التعاون تحدثت المخرجة عطية عادل خيرى، حفيدة المبدع بديع خيرى في حوار لـ "انفراد" مشيرة إلى أن هذا التعاون بدأ قبل أن يتقابلا، حيث لحن سيد درويش أحد أزجال بديع خيرى المنشورة بأحد المجلات قبل أن يراه.
وتحدث بديع خيرى عن هذه العلاقة فى أحد حواراته قائلا: «بدأت علاقتى بسيد درويش عندما جاء من الإسكندرية ليشارك بوضع موسيقى وأغانى مسرحية فيروز شاه بمسرح جورج أبيض، وأردت أن أتعرف عليه، وبمجرد أن قلت اسمى أخذنى بالحضن، وقال أنا لحنتلك حاجة كانت منشورة فى جريدة السيف الأسبوعية".
وتابع خيرى: «أسمعنى سيد درويش الأغنية بعدما لحنها فأعجبتنى جدا وكانت أغنية «دنجى دنجى» وترسخت علاقتى به واقترحت عليه أن يعمل معنا فى مسرح الريحانى، وبالفعل انضم لنا عام 1918 واشتغلنا معا فترة ثورة 1919"
وتحدثت الحفيدة عن مسيرة جدها للكفاح بالفن قائلة: «تعاون جدى مع فنان الشعب سيد درويش، وكتب أشهر أغانى ثورة 1919 ومنها أغنية قوم يا مصرى التى تحوى لوما شديدا وتحفيزاً للمصريين حتى يقاوموا المحتل ويفخروا بكونهم مصريين.
وأضافت: «تحايل جدى على القرارات العسكرية التى تمنع الكتابة عن سعد زغلول والثورة، فكتب أغنية يا بلح زغلول تحية لسعد زغلول، ووقتها تم القبض عليه"
ولحن سيد درويش كل روايات الفرق المسرحية في شارع عماد الدين ومنها فرقة الريحانى، وجورج أبيض وعلي الكسار.
وكان سيد درويش من أوائل الفنانين الذين ربطوا الفن بالسياسة والحياة الاجتماعية وقاوم الظلم والاستعمار بالفن ، وساند الطبقات الشعبية والفقيرة وعبر عنها بالفن، فغنى "قوم يامصرى" أثناء ثورة 1919، كما غنى نشيد "بلادى بلادى" الذى اقتبس فيه بعضا من كلمات الزعيم الراحل مصطفى كامل، واستخدم الفن والموسيقى في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي.
وفى أوج شهرته وتألقه ومقاومته رحل سيد درويش فجأة بشكل غامض فى سبتمبر 1923، وهو فى ريعان شبابه، وأثير الكثير عن واقعة وفاته التي أشار الكثيرون إلى أنها مدبرة ، ولكنه ترك كنز وتراث فنى ضخم ينهل منه الكثيرون ويتعلمون ويتمتعون ، ليعيش سيد درويش في ذاكرة الوطن ووجدان الملايين إلى الأبد.