يمر اليوم 26 عاما على رحيل رائدة الفن الفنانة الكبيرة فاطمة رشدى التى رحلت عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 23 يناير من عام 1996 بعد رحلة عطاء فنى كانت خلالها إحدى رائدات الفن ومبدعاته اللاتى لم يكتفين بالتمثيل فقط ولكنها كانت مؤلفة ومخرجة ومنتجة وصاحبة فرقة مسرحية من أكبر الفرق التى تخرج منها وعمل بها عدد من عمالقة الفن.
عاشت فاطمة رشدى حياة مليئة بالأحداث والإثارة والتقلبات ووصلت إلى قمة المجد والشهرة كما وصلت إلى قمة البؤس والفقر فى نهاية هذه الحياة حتى ماتت وحيدة منعزلة فقيرة.
ولدت فاطمة رشدي بالإسكندرية وكانت أختيها رتيبة وإنصاف رشدي، يعملن بالفن قبلها، فبدأت فاطمة حياتها الفنية مبكرًا، عندما كانت في التاسعة أو العاشرة من عمرها وذلك عندما زارت فرقة أمين عطا الله حيث كانت تغنّي أختها، وأسند إليها أمين عطا الله دورًا في إحدى مسرحياته، وبعدها تنقلت فاطمة رشدى بين عدد من الفرق المسرحية الشهيرة ومنها فرقة الجزايرلى وفرقة رمسيس حتى كونت فرقة خاصة حملت اسمها وقدمت العديد من المسرحيات وسافرت إلى عدد من الدول العربية.
وقدمت فاطمة رشدى للسينما عددًا من الأفلام كانت فى بعضها تقوم بالتأليف والإخراج والتمثيل، ومن أشهر أفلامها: العزيمة، العامل، الطريق المستقيم، بنات الريف، الجسد، وغيرها.
كانت فاطمة رشدى نجمة عصرها وملكة متوجة على عرش الفن فكانت النساء يقلدنها ويتبعن الموضة التى تبتكرها وترتديها ، ويذكر أنها كانت من أوائل السيدات اللاتى ارتدين البنطلون فى القاهرة وقلدتها النساء حتى انتشرت موضة البنطلون فى مصر.
وكان لفاطمة رشدى آلاف المعجبين، ومن بينهم طالب بكلية الحقوق أصبح بعد ذلك محامياً شهيراً، وقع فى غرام الفنانة الكبيرة التى كانت وقتها تحظى بلقب أجمل ممثلة على المسرح المصرى، ولم تكن مقابلتها بالأمر اليسير، حيث كانت تحيط نفسها بالسكرتيرات والأتباع الذين يمنعون أى معجب من التحدث معها، وكان المعجب الذى يبتسم له الحظ ويحظى برد من فاطمة رشدى، يعتبر ذلك نصراً كبيراً.
وأرسل طالب الحقوق المعجب رسالة إلى النجمة الكبيرة يقول لها فيها إنه على استعداد أن يدفع لها أى مبلغ تطلبه مقابل خصلة صغيرة من شعرها ليحتفظ بها، ووقعت الرسالة فى يد إحدى سكرتيرات فاطمة رشدى التى أرادت استغلال الموقف والاستفادة من هذا العرض، فقابلت الطالب وقالت له إنها على استعداد أن تقدم له خصلة من شعر فاطمة رشدى مقابل 50 جنيهاً، وكان مبلغاً كبيراً جداً وقتها.
وقال طالب الحقوق لسكرتيرة فاطمة رشدى إنه على استعداد أن يدفع 100 جنيه إذا أقنعت النجمة الكبيرة بتقديم خصلة الشعر له بنفسها.
وذهبت السكرتيرة إلى الفنانة الكبيرة لتقنعها بالعرض الذى قدمه طالب الحقوق، وكانت فاطمة رشدى بصحبة إحدى صديقاتها، فصرخت الصديقة حين سمعت ما قالته السكرتيرة ، قائلة: "إن هذا الطالب يريد أن يسحر لك"، واقتنعت النجمة بكلام صديقتها ورفضت عرض الطالب وطردت السكرتيرة.
وكانت الفنانة الكبيرة تخشى من الحسد ولديها طقوس غريبة تتبعها أحياناً لجلب الجمهور أو لمنع الحسد وجلب الحظ ، وكان من أغرب هذه التقاليع ما كانت تقوم به فى أوج شهرتها، وحين كانت صاحبة فرقة مسرحية من أقوى الفرق، حيث كانت تأتى بطفل حديث الولادة وتتركه يبكى على باب المسرح طوال يوم افتتاح أى مسرحية جديدة، حيث كانت تؤمن بأن بكاء الأطفال يطرد النحس من أى مكان.
وحين اتجهت فاطمة رشدى للسينما اتبعت أيضًا عددًا من الطقوس الغريبة عند عرض أفلامها، فعندما عرض لها فيلم "فاجعة فوق الهرم"، استدعت الفنانة الكبيرة إلى منزلها جميع الموظفين والعاملين بالسينما التى يعرض فيها الفيلم وبينهم موظفة التذاكر وكانت فتاة أجنبية ، وأحضرت شيخاً وقوراً يحمل مبخرة ، حيث قام بتبخير كل العاملين وقراءة بعض التعاويذ عليهم ، حتى تضمن فاطمة رشدى إقبال الجماهير على الفيلم، وكانت تتبع هذه العادة فى كل أفلامها.
ورغم الشهرة والمجد الذى وصلت له فاطمة رشدى لكنها اعتزلت الفن في أواخر الستينيات، حيث انحسرت الأضواء عنها مع تقدمها فى السن، فتدهورت حالتها المادية وكانت تعيش أواخر أيامها في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة، إلى أن تدخل الفنان فريد شوقي لدى المسئولين لعلاجها على نفقة الدولة وتوفير المسكن الملائم لها، وبعد استلام الشقة رحلت فاطمة رشدى وحيدة حزينة بعد حياة حافلة بالفن والأحداث فى 23 يناير عام 1996 عن عمر ناهز 87 عامًا.