كان المخرج العالمى يوسف شاهين معروفاً بجرأته وتمرده على ما هو سائد ومسلم به ولذلك كان يمثل حالة خاصة فى الفن والسينما والإخراج وحقق نجاحات كبيرة وصلت به للعالمية.
ومنذ بداياته كان يوسف شاهين - الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم حيث ولد فى 25 يناير من عام 1926 – مختلفاً يفعل ما يقتنع به ويريده مهما كانت العواقب، حتى أنه فى عام 1951 اراد أن يشارك بفيلم "ابن النيل" فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى، ورغم المحاولات المبذولة كى تشارك مصر رسمياً فى هذا المهرجان إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.
وكتب يوسف شاهين فى مقال نادر يحكى ما حدث بعد إصراره على عرض الفيلم الذى أنتجته مارى كوينى بالمهرجان، حيث قرر أن يأخذ الفيلم ويسافر وأن يعرضه بالمهرجان بأى شكل.
وأوضح شاهين أنه منذ سافر إلى فينسيا علم أن برنامج المهرجان ليس به منفذ لفيلم جديد، ولكنه أخذ يفكر ومعه عدد من المصريين الموجودين هناك ومنهم المخرج نيازى مصطفى فى طريقة لعرض الفيلم، ولذلك ذهبا إلى مدير المهرجان ليطلبا منه فرصة كى ترفع راية مصر بين الدول المشاركة فى المهرجان.
وبعد محاولات قال لهما مدير المهرجان أنه لا يمكن أن يضع الفيلم ضمن البرنامج الرسمى للمهرجان ولكنه سيخصص له حفلة يعرض فيها فى الساعة العاشرة صباحاً ، وهو ما جعل يوسف شاهين فى حيرة، فالناس فى فينسيا فى هذا الوقت يكونون على البلاج ، وحاول مع مدير المهرجان مشيراً إلى أن هذا الموعد ستكون فيه صالة العرض خاوية، ولكن الرجل قال لهم أنه لا سبيل إلا هذا الموعد " وانتوا وشطارتكم"، فشكره شاهين ومضى وهو يفكر كيف يجذب الناس لمشاهدة الفيلم فى هذا الموعد.
وأرسل المخرج الكبير برقية إلى مارى كوينى منتجة الفيلم يطلب منها مبلغاً بسيطاً للإنفاق على الدعاية للفيلم، فوافقت ، فنشر شاهين إعلاناً فى صحف فينسيا اليومية يدعو فيه الناس لمشاهدة أول فيلم مصرى يعرض فى المهرجان، ووجه الدعوة لبعض الشخصيات الشهيرة فى فينسيا لمشاهدة الفيلم ومنهم النجم العالمى أورنسون ويلز الذى كان يستعد لعض فيلمه عطيل فى المهرجان.
وفى اليوم المحدد لعرض الفيلم المصرى كان الجو صافيا وجلس يوسف شاهين مع بعض أصدقائه أمام دار العرض قبل الساعة العاشرة ، وكان يتحسر وهو يرى الناس فى هذا الوقت متجهين بملابس البحر نحو البلاجات، وكان عدد الذين دخلوا صالة العرض قليل، وهنا تضرع يوسف شاهين إلى الله ودعاه أن يسقط المطر حتى يتغير الحال.
وقال المخرج الكبير أنه وكان أبواب السماء كانت مفتوحة واستجاب الله دعوته وإذا بسحابة كبيرة تملأ سماء فينسيا ، وحدثت المعجزة وسقطت الأمطار بغزارة، فإذا بهؤلاء الذين اتجهوا للشواطئ يسرعون إلى دار السينما ليختبئوا من المطر ، فامتلات صالة العرض بمئات المشاهدين، وفرح يوسف شاهين، ولكن سرعان ما تضاعفت فرحته عندما وجد بعض الاتوبيسات تقف أمام السينما ومعها عدد من أهالى فينسيا الذين جاءوا من مناطق متفرقة لمشاهدة الفيلم بعدما جذبهم الإعلان الذى نشره شاهين فى الصحف عن أول فيلم مصرى بالمهرجان، وامتلأت صالة العرض بالجمهور، حتى كاد المخرج الكبير يبكى من الفرح.
وأوضح شاهين أنه رغم فرحته لم يدخل إلى صالة العرض ليتابع ردود أفعال الجمهور كما نصحه صديقه نيازى مصطفى، خوفاً من هذه الردود ، وظل كعادته يتابع الفيلم من غرفة ألات العرض، ودخل صالة العرض قبل انتهاء الفيلم بقليل ، وما إن أضاءت الأنوار وانتهى عرض الفيلم حتى فوجئ بعاصفة من تصفيق الجمهور الذى سالت معه دموع المخرج الكبير.