يمر اليوم 61 عامًا على رحيل الفنانة الكبيرة فردوس محمد أشهر من جسدت أدوار الأم فى السينما المصرية والتى رحلت عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 30 يناير من عام 1961 بعد رحلة فنية كانت خلالها إحدى رائدات فن التمثيل وتركت بصمة فنية للأجيال، بسببب صدقها الشديد فى الأداء وقدرتها الفائقة على العطاء الفنى والإنسانى، رغم ما عانته فى حياتها من آلام وأحزان وصعوبات.
ولدت الفنانة الكبيرة فردوس محمد بحي المغربلين بالقاهرة، وعانت فى حياتها معاناة كبيرة بدأت منذ سن الطفولة وحتى الوفاة، ورغم ذلك كانت ينبوعًا من الحنان لزملائها وأبنائها من أهل الفن الذين اعتبروها أمًا حقيقة وخازنة أسرارهم.
بدأت معاناة فردوس محمد من سن 3 سنوات حيث توفى والديها وعانت من اليتم فى هذا السن المبكرة، فتولى تربيتها الشيخ علي يوسف مؤسس جريدة «المؤيد»، وألحقها بمدرسة إنجليزية بحي الحلمية، فتعلمت القراءة والكتابة والتدبير المنزلي وتربية الأطفال.
عشقت فردوس محمد الفن والتقليد فى سن صغيرة، ولكنها قبل أن تكمل فردوس محمد سن 14 عاما زوجتها الأسرة التى تقيم معها من شاب تقدم لها، وعاشت معه 5 سنوات لم تنجب خلالها وأساء زوجها معاملتها حتى طلقها وهى فى سن 19 عامًا، ومن شدة ما عانته فردوس محمد خلال هذه الفترة ظلت طوال حياتها إذا واجهت موقف فيه قسوة تقول "شبه الأيام السودا اللى شفتها مع جوزى الأولانى".
وبعد طلاقها بحثت عن عمل لتنفق منه على نفسها، وعرضت عليها زوجة جارها الذى يعمل فى فرقة عكاشة المسرحية أن تعمل بالفرقة، فرحبت بهذا العرض الذى يوافق موهبتها وحبها للفن، وبدأت العمل فى الفرقة بمرتب 3 جنيهات، وتألقت فى أدوارها وحققت نجاحًا كبيرًا على المسرح.
وفى السينما اختارها المخرج محمد كريم لتقوم بدور الأم فى فيلم يوم سعيد بطولة محمد عبد الوهاب عام 1940 وكانت أما لفاتن حمامة الطفلة وقتها، ومن يومها كانت دائما الاختيار الأول لكل مخرج يبحث عن فنانة تجيد دور الأم، وتسابق المنتجون والمخرجون للاستعانة بها فى هذا الدور فشاركت فى مئات الأعمال الفنية.
وتزوجت فردوس محمد للمرة الثانية من الفنان محمد إدريس وعاشت معه 15 عامًا حتى وفاته.
وبالرغم من أنها عانت اليتم منذ سن صغيرة إلا أن الفنانة الكبيرة فردوس محمد أثبتت أن فاقد الشيء يعطيه بسخاء وحب، فكانت أمًا لكل الفنانين والفنانات الذين تعاونت معهم يبوحون لها بأسرارهم وتحظى بينهم بمكانة كبيرة، وحظيت بمكانة كبيرة لدى الفنانة فاتن حمامة التى جمعتها بها صلة قوية منذ طفولتها وكانت تبوح لها بكل أسرارها، كما كانت فردوس محمد ترتبط بعلاقة صداقة قوية بكوكب الشرق أم كلثوم وتعتبرها أقرب صديقاتها، وكانت تجود بمعظم ما تحصل عليه من أجر على المحتاجين من العمال وصغار الفنانين.
وبلغت مكانة فردوس محمد بين أهل الفن أن نقابة الممثلين كرمتها فى أول احتفال بعيد الأم وتسلمت التكريم وهى لا تتمالك دموعها وسط تصفيق جميع الفنانين.
أصيبت فردوس محمد بمرض السرطان وأحاطها كل أبنائها وزملائها فى الوسط الفنى بمشاعر الحب، وكانت تبكى ليس بسبب المرض لأنها كانت مؤمنة بقضاء الله لكنها كانت تبكى بدموع الشكر والعرفان لمشاعر الحب التي أحاطها بها زملائها وابنائها في الوسط الفني فترة مرضها، وللدولة التي كرمتها وتدخلت لعلاجها على نفقتها وقررت سفرها للعلاج بالخارج.
وكان هناك سبب آخر لبكاء أم السينما المصرية في نهاية حياتها وهو عندما تطوعت بعض الصحف وقتها لتطلق دعوة للقراء للتبرع لعلاج الفنانة الكبيرة وحتى تعينها هذه التبرعات على مواجهة محنة المرض، وهو ما شعرت معه فردوس محمد بالمرارة، ووقتها كتب الكاتب الكبير صالح جودت مقالاً أشار إلى أن من أطلقوا الدعوة للتبرع رغم حسن نيتهم وحبهم للفنانة الكبيرة لا يعرفون مقدار عزة نفسها وكبريائها وأنها لا تقبل أن تمد يدها لقبول هذه التبرعات، وترد دائمًا حين يسألها أحد حتى وإن كان من المقربين منها: "مستورة والحمد لله".