جلس الطفل أمام شاشة السينما ليرى العديد من الأفلام، ارتاد المسارح فى عصرها الذهبى وندهته نداهة الفن، كان يغمض عينيه ويرى نفسه يحلق مع الباليه الراقصة فى دروب هذا العالم ويحلم أن يكون مختلفاً لا يشبه أحد، أن يصنع حالة فنية ترى فى الفن عبادة وفى المسرح محراباً له طقوسه وقدسيته، ومرت السنوات ليحقق الطفل حلمه ويصبح تلك الحالة المختلفة والمتميزة ويصبح القابض على جمر المسرح والمحافظ على قدسيته ومهابته، وبابا ونيس الذى علم وربى أجيالاً على الأخلاق والقيم أكثر مما فعلت الكتب، هكذا هو الفنان الكبير وفارس المسرح محمد صبحى الذى نحتفى اليوم بعيد ميلاده الـ74 حيث ولد فى مثل هذا اليوم الموافق 3 مارس عام 1948.
يمثل الفنان محمد صبحى حالة فنية خاصة، نموذج لا يشبه أحد، يحمل فكراً خاصاً ومنهجاً دؤوباً لا يكل ولا يمل يرى فى الفن رسالة وفى المسرح مؤسسة ومنهج، لذلك استطاع أن يقدم للفن نجوماً ينطلقون من مدرسته المسرحية إلى عالم الفن فيحملون نفس المبادئ والقيم، حيث قدم على مدار سنوات ما يقرب من 300 نجم تتلمذوا على يديه وبدأوا فى فرقته، ومنهم منى زكى وهانى رمزى وصلاح عبدالله وغيرهم.
كان والده محمود صبحى مديرا بفرقة يوسف وهبى، ومدير التسويق بهيئة المسرح والسينما والموسيقى والفنون الشعبية، وكان يمتلك ماكينة لعرض الأفلام شاهد من خلالها الابن العديد من أفلام الباليه الراقصة، ورأى الفرق المسرحية وعرف كيف تعمل كمؤسسة ذات منهج وخطة وفكر.
وفى طفولته استهواه فن الباليه والعزف على آلة الكامنجا، لكن تبدل حلم الصغير الذى اعتاد التفوق حين حصل على المركز الثانى على مستوى الجمهورية فى عزف الكامنجا، وهو فى المرحلة الإعدادية، فغضب وحزن وقرر أن ينتقم من الكامنجا ويغيظها بالتمثيل، فالتحق بجماعة التمثيل فى المدرسة، وبعد حصوله على الثانوية العامة أراد الالتحاق بمعهد الباليه وحين ذهب ليقدم أوراقه نظرت إليه الموظفة وقالت: «ماينفعش تقدم هنا أنت كان مفروض تجيلنا وعمرك 6 سنوات روح قدم فى معهد الفنون المسرحية أو معهد السينما.
تقدم الفتى لمعهد الفنون المسرحية وحصل على المركز الثانى فى اختبارات القبول، وتخرج من المعهد بتقدير امتياز وعين معيدا وقام بالتدريس فى المعهد لمدة 15 عاما بدأ خلالها مشواره الفنى ورحلة عشقه للفن خاصة المسرح.
قدم صبحى عشرات المسرحيات التى تناقش كل القضايا الاجتماعية والسياسية فى قالب كوميدى هادف، كما أعاد تقديم عدد من روائع مسرح الريحانى ولا يزال يجيد ويبدع، ويناقش القضايا الهامة، ويتعامل مع المسرح كمؤسسة لها منهج وفرقة لها طعم ومذاق كما يحدث فى أوروبا وفى الكوميدى فرنيسيز، ويعتمد على فرقة ثابتة لها تاريخ، ومنهج وخطة ورؤية، وعلىفكرة التنمية المستدامة التى تقدم للفن دائما عشرات النجوم الذين تتلمذوا على يديه وفى فرقته.
ورغم أنه قدم عددا من الأعمال السينمائية، ومنها "الكرنك، أبناء الصمت، وبالوالدين إحسانا، أونكل زيزو حبيبى، الجريح، هنا القاهرة، الشيطانة التى أحبتنى، العميل رقم 13"، إلا أنه سرعان ما ابتعد عن السينما بعد غزو أفلام المقاولات، وقدم عددا من أهم المسلسلات وأكثرها نجاحا وبقاء فى أذهان الملايين من كل الأجيال بشخصياتها الواقعية وقضاياها الهامة، ومنها على بيه مظهر ورحلة المليون، ملح الأرض، فارس بلا جواد، بروتوكلات حكماء صهيون، بابا ونيس، التى شارك من خلالها ملايين الأسر فى تربية أبنائها، وهى الشخصية التى استوحاها عندما قرأ مقولة سيدنا على بن أبى طالب "لا تربوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم سيعيشون زمان غير زمانكم"، كما أوضح فارس المسرح محمد صبحى فى حوار لـ "انفراد".