"ياخوفى يابدران"..نردد دائماً هذه العبارة الشهيرة حين نتخوف من خيانة صديق أو شخص قريب ، حيث ارتبطت هذه العبارة فى الوجدان الشعبى بقصة وموال أدهم الشرقاوى أحد أشهر المواويل التى غناها ملك الغناء الشعبى محمد رشدى، الذى تحل ذكرى ميلاده ال 94 اليوم الموافق 20 يوليو، حيث ينتهى الموال بقتل أدهم البطل الشعبى على يد بدران أقرب أصدقائه، فتقول نهاية الموال: ودوروا وفتشوا على أعز أحبابه ..راح المغارة للأدهم والمغارة أمان ..قاله تعالى يا مرحب بالعزيز بدران ..وراح له تانى وتانى الوقت لسه نهار..وقابله الأدهم وقاله هلت الأنوار..ولا كانشى يعرف صديقه إنه هايخونه..ولكل آخر نهاية والزمن دوار..قاله صباح الخير أنا جيت يا باشا..أنا جبت لك الفطور ونسيت أجيب لك العشا..قاله يا خوفى يا صاحبى لا يكون لى ده آخر عشا..وفى لحظة داس ع الزناد طلع العيار صايب..لا كل فطوره ولا استنى ميعاد عشا..ومنين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه".
سعيد الشحات
ولكن هل تعلم عزيزى القارئ أن بدران لم يكن هو قاتل أدهم وأنه قابل الفنان محمد رشدى وعاتبه على ما جاء فى مواله وما التصق به من عار بسبب هذا الموال الشهير، وهذا ما كشفه الكاتب الصحفى والمؤرخ الكبير سعيد الشحات فى كتابه " مذكرات محمد رشدى..موال أهل البلد غنوه" ، حيث سجل الكاتب الكبير مذكرات الفنان محمد رشدى الذى جمعته به علاقة وطيدة وعرف عنه الكثير من الأسرار والكواليس التى كشفها فى كتابه الذى يحمل سيرة فنان وسيرة وطن وفترة زمنية هامة فى حياة مصر وما حدث فيها من تحولات فنية واجتماعية وسياسية من خلال كتابته لسيرة الفنان محمد رشدى.
ومن ضمن المعلومات التى كشفها هذا الكتاب الهام أن الفنان محمد رشدى ظل لفترة يبحث عن حقيقة أدهم الشرقاوى وهل كان بالفعل بطلاً شعبياً وطنى أم مجرم كبير هرب من العدالة وأشاع السرقة والعنف والبلطجة حتى سقط قتيلا، ولذلك قرأ رشدى الكثير عن حقيقة أدهم الشرقاوى.
وكانت المفاجأة التى كشفها الكتاب ما حدث بين محمد رشدى وبدران صديق أدهم الذى رسخ موال رشدى أنه هو قاتل صديقه ومن خانه وتسبب فى سقوطه ، حيث قال الفنان الكبير محمد رشدى للكاتب الصحفى سعيد الشحات أنه فوجئ يوما باتصال من الصحفى فارق عبدالسلام يخبره بأن بدران لا يزال حياً ويهدد برفع قضية على الفنان الكبير، وأقنع الصحفى رشدى بأن يسافر إلى قرية زبيدة ليقابل بدران ويصالحه ، وكانت هذه المقابلة والمصالحة موضوعاً صحفياً موسعاً نشره فاروق عبدالسلام فى مجلة أخر ساعة فى اكتوبر عام 1963 .
وكشف التحقيق الصحفى ما جاء على لسان أهل أدهم وأهل بدران والذى يتناقض مع ما نشرته الروايات الصحفية عن مقتل أدهم فترة الاحتلال ، مؤكدين براءة بدران من خيانة أدهم وأنه كان مثالاً للصديق الوفى وحين كان خفيراً رفض أن يدل البوليس على مكان أدهم وهو ما تسبب فى فصله من عمله، بل أنه بعد مقتل أدهم ظل يعيش بقية عمره فى المغارة التى قتل فيها أدهم ولم تجف دموعه وظل على هذا الحال لأكثر من 40 سنة، منذ مقتل أدهم عام 1921 .
وكشف الكاتب الصحفى سعيد الشحات فى كتابه تفاصيل لقاء محمد رشدى ببدران داخل المغارة التى قتل فيها أدهم الشرقاوى ، وقصة مقتل عم أدهم على يد أحد الباشوات الذى استولى على أرضه ونفاه ثم استأجر شاباً لقتله بسبب رغبته فى الاستيلاء على أرضه ، وكيف ثأر أدهم لعمه وبعدها تم سجنه حتى هرب من السجن خلال ثورة 1919 وبدأ رحلته فى الكر والفر من البوليس وحكى بدران قصة مقتل أدهم على يد رجال البوليس ، مؤكداً براءته من الخيانة.
وأشار سعيد الشحات إلى أن التحقيق الصحفى لم يكن الترضية الوحيدة من محمد رشدى لبدران ولكنه ظهر معه على شاشة التلفزيون ، حيث سئل بدران عن التعويض الذى سيطلبه من المحكمة ، فأكد أنه لا يريد شيئاً سوى أن يغير رشدى نهاية الموال ولا يقول أن بدران قتل أدهم، فغنى رشدى الموال على الشاشة دون أن يذكر هذا المقطع الذى يدين بدران.
وكانت المفاجأة أن محمد رشدى أكد لسعيد الشحات أنه كان يعرف قبل أن يغنى الموال بأن بدران ليس هو قاتل أدهم، طبقاً لما قرأه عن سيرة أدهم الشرقاوى، ولكن طبقا لما غناه الناس فى الموال الشعبى كان بدران هو المتهم، ولكن كانت مفاجأة لرشدى اكتشاف أن بدران كان لايزال على قيد الحياة.