منح مهرجان محكى القلعة فى دورته الـ30، فرصة عظيمة لنفى أكذوبة "الجمهور عايز كده"، تلك المقولة التى ارتكب بسببها كم من حماقات، كم من فن هابط انتشر بناء على تصديق الناس تلك المقولة، لتأتى فعاليات محكى القلعة، وتؤكد أنه أبدا لم ولن يريد الجمهور إلا فنا حقيقيا وراقيا يسكن الوجدان ويدفع الجمهور للسمو بالروح فى عوالم موسيقية مختلفة.
جمهور محكى القلعة، كان البوصلة التى تشير إلى العديد من الرسائل المهمة، ذلك الجمهور البسيط الذى دفع أجرا رمزيا، ليحضر حفلا من حفلات محكى القلعة، لن يأتى إلا لأنه اختار فنا راقيا يحترم وجدانه ويعبر عنه، لتصبح حفلات المحكى منافسا شرسا لكبرى المهرجانات الغنائية التى تقام فى مصر.
يضرب الجمهور الضخم لحفلات محكى القلعة، بعرض الحائط الاتهامات المعلبة التى تطال البسطاء بأنهم من سمحوا بصعود فن غنائى هابط دخيل على المجتمع، ليثبت أن هؤلاء البسطاء هم حائط الصد الذى يحمى الفن الراقى بدليل وقوفه وراء كبار النجوم ممن يقدمون فنا غنائيا على مستوى عال من الجودة، ذلك الجمهور القادر على فرز الساحة واختيار من يليق بالجلوس أمامه يدندن ويتسلطن ويعود لمنزله حاملا بين صدره الكثير من المشاعر الجميلة.
جدول مهرجان محكى القلعة وخياراته فى تقديم أغلب أنواع الموسيقى والغناء المصرى والعربى والشعبى والفلكلورى وغيرها من الألوان هو أمر يحسب لدار الأوبرا المصرية التى ترضى جميع الأذواق وأظن بقدر يقترب من اليقين أن الجمهور الذى زحف نحو القلعة وكان يجلس فى انتظار نجمه المفضل منذ الساعات الأولى لفتح الأبواب، استمتع إن لم يكن استمتع جدا، بهذا البرنامج الذى ضم كبار قامات الغناء والموسيقى.
تعطش الجمهور الذى ظهر جليا لمثل هذه الحفلات يؤكد أن ذائقة المصريين فى الفن وفرز رواده ومنح صك النجومية لمن يريد لا تزال موجودة وأن الجمهور المصرى قادر على تفنيط الفن الحقيقى من غيره.
لا يستطيع أحد أن ينكر دور قناة الحياة المصرية، فى وضع مهرجان محكى القلعة على أجندة الجمهور، فالتغطية الحية التى قدمتها القناة للجمهور جعلته يرى حقيقة المهرجان وجودة تنظيمه، وضعت يدها على مواطن القوة والجذب، ما منح الجمهور طمأنه بأنه سيستمتع بمجموعة حفلات راقية، وسط تنظيم يعتبر ضمانة له بأن لا شىء سيعكر صفو هذه السهرة، ومن أمتع ما رأيت على الشاشة هو نقل لصورة كاملة بداية من لقاءات لكبار نجوم المهرجان مرورا بتسليط الضوء على التنظيم الجيد، مرورا برصد آراء جمهور المهرجان من كل الشرائح لتفاجأ أن الجمهور يضم كل الفئات العمرية والشرائح المجتمعية وجميعهم يسعدون بسهرات غنية بمحتواها.
ضم برنامج محكى القلعة العديد من حفلات النجوم الكبار، وحقيقى فى كل مرة أقف أمام أمير الغناء هانى شاكر، وهو يغنى على المسرح أتعجب من قدرته على تقديم حفل غنائى ناجح بهذا الشكل، يتفاعل مع الجمهور يرد على الجميع، يرضى طلباتهم، ولا يبخل أبدا بجبر خاطر كل من ينادى عليه ويخبره بإعجابه به، البعض قد يعتقد أن جمهور هانى شاكر أغلبه من النساء ممن يستمتعون بكلمات أغنيته وصوته العذب، لكن الحقيقة أن جمهور هانى شاكر متنوع والشباب الصغير يحفظ أغانيه ويرددها كما لو كان حضر صدور أغنياته القديمة وتفاعل معه، فى بعض الأحيان تشعر أن الجمهور من الشباب قد لا يستسيغ نوعية الأغنيات التى يقدمها هانى شاكر، لكن الحقيقة أنك قد تفاجأ بالشباب يدبدب بقدميه مع إيقاع أغانى هانى شاكر، يردد كلمات أغنياته ويستمتع ويتسلطن.
على الحجار من أكثر الحفلات متعة، تلك الحنجرة الذهبية التى يمتلكها الحجار، أمر نادر، فلا تستطيع فى حفل على الحجار إلا أن تسلم له كل حواسك، تفرح لفرحه تحزن لحزنه، تشعر معه بالشجن، حفل نوال الزغبى من الحفلات المبهجة أيضا نوال بأغانيها التى عشنا معها مراحل كثيرة فى حياتنا، لا تزال تحتفظ برونقها وشقاوتها على المسرح، لا أريد أن أنسى أحدا، وفى نفس الوقت لن أستطيع أن أعطى الجميع حقه، فالحفلات كانت ممتعة وغنية بالأغنيات والموسيقى، وأن يكون محكى القلعة على مدار الصيف كله، لمنح الجمهور البسيط مزيدا من الفن الراقى ويكون فى نفس الوقت فى متناول قدرته المالية.