اجتمعت بالنجم الكبير نور الشريف فى أحد حواراته الجريئة فى مطلع عام 2012، ووقتها تحدث عن عواقب ثورة 25 يناير، لعدم وحدة القائمين عليها، وتشتت العديد من الشباب الذين شاركوا فيها، وركوب جماعة الإخوان الثورة، بل وأكد فشلها وأن الفائزين بثمارها هم الإخوان فحسب لأنهم الأكثر تنظيمًا فى ظل تخبط الشباب أصحاب الثورة نفسها، وهو ماحدث بالفعل بعدها بأشهر، عندما تولى الإخوان مجريات الأمور فى البلاد عام 2013، وكثيرا من الأحداث التى توقعها النجم الكبير بالفعل تحدث الآن من أزمات اقتصادية وقلة الاحتياط النقدى نظير تراكم مشاكل عديدة على مدار 30 عاما، ليواجها النظام الحالى بكل شجاعة الآن، وهذا يوحى أن الفنان الكبير الراحل لم يكن مجرد فنان موهوب عادي أو صاحب مدرسة فنية فحسب، بل إن كان يمتلك خلفية ثقافية وفكرية تجعله ملم بكل شىء من حوله، ونظرًا لأنه بطبيعته ثائر يرفض أن يلجم لسانه، أو يتغاضى عن إبداء رأيه لإرضاء أحد.
لم يكن العملاق نور الشريف مجرد ممثل عادى أو تقليدى، يأتى له السيناريو فيعمل عليه ليقدمه فى عمل تليفزيونى أو سينمائى، لكنه كان يدرك دائمًا أن للفن دورا مهما، لابد أن يعيه الفنان، وهو التعمق داخل نفوس البشر كى يرصد ما بها من هموم وأحلام وطموحات وأمراض نفسية أحيانًا، ليستعرضها على الشاشة، ويرصد طرق حلها، نور الشريف كان يضع ملاحظاته على السيناريو الذى أمامه ليحوله فى كثير من الأحيان من عمل سطحى إلى فيلم يحمل عمقا إنسانيا وسياسيا أحيانا، فكان قارئا جيدا للروايات العالمية، ومتابعا بشكل يومى لكبرى الصحف المصرية والأجنبية، ولذلك كان الوحيد من نجوم جيله الذى يتمتع بخلفية ثقافية تمكنه من الحديث بفهم ودراية لكل ما يدور حوله، سواء فى الشأن السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى.
نور الشريف الفنان الثائر الذى كان دائم التمرد على الأنظمة السياسية عبر تاريخه الفنى الطويل، فكان ينتقدها فى أعماله، ويقول رأيه دون محاولة للتقرب من الحاكم، وهو ما ظهر بداية من فيلم "الكرنك"، مع سعاد حسنى، وهو الفيلم الذى تطرق من خلاله لحالة الاستبداد الفكرى والسياسى ومحاولة التعتيم الإعلامى الذى اتبعته بعض الكيانات الأمنية فى ظل نظام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال فترة الستينيات، وحصل هذا الفيلم المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ وأخرجه على بدرخان على شهرة كبيرة وآثار جدلا واسعا خلال فترة تقديمه بدور العرض السينمائية، لدرجة أن رفع سريعًا من دور السينما، قدم الشريف أيضًا شخصية الرسام الفلسطينى ناجى العلى، وأبرز محطاته نهاية بفترة اغتياله عام 1987 على أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلية، وهاجم "الشريف" من خلال الفيلم بعض الأنظمة العربية، واتهمها بأنها كانت سببًا فى اغتيال الفنان الفلسطينى، الأمر الذى جعله يدخل فى مشاكل سياسية منها منع عرض أفلامه فى دور العرض الخليجية، وهجوم الصحافة القومية عليه ، كما غضبت منه السلطة السياسية المصرية خلال فترة تقديمه لهذا الفيلم.
كشف الشريف أيضًا الفساد المجتمعى والعملى من خلال فيلم "سواق الأتوبيس"، إذ شرح من خلال الفيلم الذى يعد أبرز روائع المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب الحالة الاجتماعية للمصريين بعد حرب أكتوبر 1973، وأن كثيرًا من المصريين لم يجنوا ثمار هذا الانتصار بسبب المشاكل المادية التى أحيطت بهم، فضلاً عن تقديمه نموذج جيد، يكاد مصغرًا مما يدعى له النظام الحالى، وهو أن نعمل ونجتهد ونكدح حتى لا نحتاج لأحد، وحتى نمر من الصعاب التى نمر بها سواء كانت مديونيات مالية أو مشاكل اقتصادية حتى لا نقع فريسة "تشحت" من الدول الكبرى، وأن نظل المصريين أصحاب الكرامة التى لايتحكم فيها أحد.
وبصرف النظر عما قدمه من أفلام، كان الفنان الكبير نور الشريف حتى قبل وفاته بأشهر قليلة صاحب موقف سياسى، ولا يخشى لومة لائم، فقال عقب تكريمه بمهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط، أنه تعرض لاضطهاد شديد من بعض الأنظمة السياسية على مدار حياته الفنية، بسبب تقديمه لبعض الأفلام، وأن "وزارة الإعلام" كانت على مدار سنوات طويلة فى قبضة النظام، وتتعامل مع الفنانين وفقًا لمدى رضاء السلطة عنهم.