حينما علمت بنبأ وفاة الفنانة الكبيرة شادية، كنت متيقنا أن عشرات الأقلام ستذكر محاسن تلك السيدة العظيمة التى ربما لن نرى فى مثل مواهبها وتلقائيتها وبساطتها إلا بعد سنوات طويلة، وربما أيضا لن يحدث ذلك، ولكننى كنت حريصا على أن أتناول تلك الفنانة القديرة من زاوية أخرى، فكاتب تلك السطور من جيل تربى على افلام التليفزيون والأبيض والأسود والتي كان لشادية حيز عريض بها تجاوز عشرات الأفلام، لتخرج بنتيجة قاطعة ونهائية أن تلك الفنانة ليست كغيرها من النجمات اللاتى تلألأن فى سماء السينما المصرية، ليس فقط على قدر الموهبة العملاقة وتنوعها بين التمثيل والغناء، ولكن فى سر آخر يطل من عينيها البريئتين حينما تظهر الشاشة.
يعرف الجميع هذا السر الغامض النابع من إشراقها وحيويتها ودلالها وأنوثتها والتي لم تبذل طيلة حياتها أى مجهود ليخرجوا على الشاشة، ولكنها فقط الموهبة التى حباها الله إياها لتكون واحدة من أعظم فنانات مصر.
عشت كطفل ومراهق وشاب وأنا أرى تلك التركيبة العجيبة من التنوع بين أدوار الحبيبة والزوجة والأم، والشابة الطموحة أحيانا والمغلوب على أمرها تارة أخرى، ولكن فى كل دور لم أكن استطيع أن أمنع نفسى من الوقوف فى صفها والتعاطف معها.
لا أقف على مسافة واحدة من كل الأدوار التي قدمتها شادية بطبيعة الحال، فهناك البدايات التي لم تكن بنفس قوة الشهرة والتألق ولا بقدر الوعى وانعكاس الثقافة فى مرحلة متقدمة ثم احترامها لتاريخها وفنها، وقدرتها على اختيار ما يلائم سنها فى مرحلة أكثر تقدما، ولكن تظل الأعمال الأدبية التي قدمتها شادية طوال تاريخها هي الأقرب إلى قلبى مثل حميدة فى زقاق المدق وزهرة فى ميرامار وسيدة فى نحن لا نزرع الشوق ونور فى اللص والكلاب وفؤادة فى شيء من الخوف أو كريمة فى الطريق.
فى أغلب تلك الأعمال أرى أن التحدى الاصعب بالنسبة للعظيمة شادية، كان هو كيف يمكن الخروج من هذا الوجه البرئ والقالب التقليدى إلى ساحات أدوار اكثر تعقيدا وربما الشر احيانا بتركيباته المعقدة والتخلى عن المثالية الزائدة واحيانا السذاجة بعيدا عما كان تقدمه اغلب نجمات السينما فى هذا العصر.