تحل اليوم الأربعاء، الذكرى 45 لمأساة طائرة مدنية ليبية أسقطتها مقاتلات إسرائيلية فوق سيناء عام 1973 ما تسبب بمقتل 108 أشخاص من ركابها، وذلك حسب تقرير نشرته شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية، اليوم الأربعاء.
وفيما يشهد العالم الكثير من الكوارث الجوية المأساوية متعددة الأسباب، إلا أن ما وقع فى سيناء قبل 45 عامًا كان أكثرها عدوانية وتعمدًا واستهتارًا بأرواح الأبرياء، ففى يوم الأربعاء 21 فبراير عام 1973، وتحديدًا فوق شبه جزيرة سيناء، اعترضت مقاتلتان إسرائيليتان من طراز "فانتوم – 4"، طائرة ركاب مدنية من طراز "Boeing 727 - 224" تابعة للخطوط الجوية الليبية، ضلت طريقها وانحرفت عن مسارها، وأطلقتا النار عليها من مسافة قريبة، ما أودى بحياة 108 أشخاص من بين 113 من ركابها.
وكانت انطلقت طائرة الخطوط الجوية الليبية فى رحلتها رقم 114 من مطار العاصمة طرابلس، وهبطت لفترة وجيزة فى مطار "بنينا" فى مدينة بنغازى شرق البلاد، ثم استأنفت رحلتها متوجهة إلى محطتها الأخيرة القاهرة وعلى متنها 104 ركاب وطاقم فرنسى من 8 أفراد، إضافة إلى مساعد طيار ليبى، حيث حلّقت الطائرة المدنية الليبية نحو القاهرة فى جو ملبد بالغيوم، وتعرضت لعاصفة رملية ورياح قوية على ارتفاع 6100 متر، وبعد نحو 15 دقيقة بدأ الشك يراود الطيارين بأنهما انحرفا عن مسارهما نتيجة عطل فى البوصلة ولأنهما لم يشاهدا أضواء المهبط، إلا أن الطائرة واصلت فى تلك الأثناء تحليقها فى اتجاه الشرق، وظن الطاقم أنهم إلى الغرب من القاهرة، فيما كانوا إلى الشرق منها، إلا أن الطيارين لم يبلغا شكوكهما لبرج المراقبة فى مطار القاهرة قبل أن يمنحهم الإذن بالانخفاض.
بعد دقائق معدودة اجتازت طائرة الخطوط الجوية الليبية، قناة السويس، على ارتفاع 6000 متر، ودخلت أجواء شبه جزيرة سيناء التى احتلتها القوات الإسرائيلية فى حرب عام 1967، وحين أبلغ ربان الطائرة برج مطار القاهرة، بأنه لا يرى أضواء المهبط، نصحه بالهبوط إلى ارتفاع 1000- 1200 متر، وفى تلك اللحظة اقتربت مقاتلتان إسرائيليتان من الطائرة المدنية الليبية.
أخطأ طاقم الطائرة فى تحديد هوية المقاتلتين، وظن أنهما طائرتان حربيتان مصريتان، فيما كانت ستائر نوافذ صالون الطائرة مسدلة نتيجة أشعة الشمس القوية، الأمر الذى أبلغ به الطيارون الإسرائيليون قيادتهم على الأرض، وتلقت المقاتلتان الإسرائيليتان عقب ذلك أمرًا بإجبار الطائرة على الهبوط فى قاعدة "ريفيديم" الجوية، إلا أن الطيارين الإسرائيليين لم يتمكنوا من الاتصال بالطائرة نتيجة لتوقف أجهزة اتصالاتها، عندها أرسلت المقاتلتان إشارات طالبة الامتثال للأوامر، إلا أن طاقم الطائرة ظل حتى دقائق معدودة قبل الكارثة يعتقد أنه يتعامل مع طيارين مصريين، بل إن ربان الطائرة ومهندس الرحلة الفرنسيين، بحسب التسجيلات، اشتكيا من "وقاحة الطيارين المصريين".
أرسل طاقم الطائرة الليبية إشارات بالأيدى للمقاتلتين الإسرائيليتين تعنى أنه فهم المطلوب منه، وحين نزل بالطائرة إلى ارتفاع 1500 متر، علم أنه يُقاد إلى قاعدة جوية، واعتقد واهمًا أن مقاتلات "ميج" المصرية تريد أن تظهر له أنه إلى الشرق من القاهرة، حيث توجد فعلا قاعدة جوية، فيما يقع المطار إلى الغرب من المدينة، لذلك غير اتجاه الطائرة وأخذ مسارا إلى الغرب.
على الرغم من أن الطائرة توجهت إلى الغرب مبتعدة عن سيناء، وعن إسرائيل ومفاعلها فى ديمونة الذى تخشى من استهدافه، إلا أن الطيارين الإسرائيليين عدوا ذلك محاولة للهرب وتلقوا الأمر بإطلاق النار مباشرة على الطائرة المدنية الليبية، وتلقى الطيارون الإسرائيليون الأمر، بحسب الرواية الرسمية، من رئيس أركان الجيش الإسرائيلى –آنذاك - ديفيد أليعازر، فأطلقوا زخات من رشاشاتهم على مفاصل أجنحة الطائرة المدنية، فتهاوت وقرر ربانها الهبوط اضطراريا فى الصحراء، إلا أن الطائرة تحطمت باصطدامها بكثبان الرمال على بعد 55 كيلومترا من القاعدة الجوية الإسرائيلية و20 كيلو مترا من قناة السويس.
وأنكرت تل أبيب فى البداية أية مسئولية لها عن سقوط الطائرة المدنية الليبية، إلا أنه بعد الإعلان عن معلومات الصندوق الأسود وسجل المحادثات بين أفراد الطاقم وبرج المراقبة فى 24 فبراير، اعترف الجيش الإسرائيلى بتدمير الطائرة المدنية الليبية، فيما بررت الحكومة الإسرائيلية فعلتها، التى توصف بأنها قتل جماعى لركاب طائرة مدنية، بالوضع الأمنى المتوتر فى المنطقة، وألقت باللوم فى ذلك على "السلوك العشوائى لطاقم الطائرة الليبية"، وأعلنت على الملأ أنها اتخذت كافة الإجراءات المناسبة بما يتفق مع حقها فى الدفاع عن النفس.
اللافت هنا أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلية الموساد السابق فيكتور أوستروفسكى، ذكر فى كتابه "عن طريق الخداع"، أن من اتخذ قرار إسقاط الطائرة ضابط برتبة نقيب، وذلك لعدم التمكن حينها من الاتصال بقائد القوات الجوية الإسرائيلية، بدورها، فضلت الأمم المتحدة، عدم اتخاذ أى إجراء ضد إسرائيل، مشيرة إلى حق الدول ذات السيادة فى الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولى، والموقف الوحيد، سجلته منظمة الطيران المدنى الدولية، حيث أدان أعضاؤها إسرائيل، وتغيبت الولايات المتحدة، كعادتها عن التصويت.