ألقى أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، محاضرة فى العاصمة الصينية بكين أمام المعهد الصينى للعلاقات الدولية، وذلك تحت عنوان "العالم العربى والصين فى إطار نظام دولى سريع التحولات".
وصرح السفير محمود عفيفى، المتحدث الرسمى باسم الأمين العام، بأن هذه المحاضرة والتى تأتى فى إطار النشاطات التى قام بها أبو الغيط على هامش مشاركته فى أعمال الدورة الثامنة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون العربى الصينى شهدت حضوراً كبيراً لمجموعة منتقاة من الأكاديميين والمتخصصين الصينيين فى الشئون العربية الذين استمعوا من الأمين العام لرؤيته للأوضاع فى المنطقة ولكيفية العمل على تدعيم العلاقات بين العالم العربى والصين بما يتواكب مع التطورات المتلاحقة التى تشهدها الساحة الدولية فى العديد من المجالات.
وأوضح المتحدث الرسمى أن الأمين العام استعرض فى هذا الصدد الجذور التاريخية للعلاقات العربية الصينية والروابط المختلفة التى ربطت بين الجانبين وكان لها أثرها الحضارى الملموس فى تشكيل العالم المعاصر، مشيراً إلى أهمية العمل على تجديد هذه الروابط من خلال مبادرات جديدة وخلاقة على غرار مبادرة "الحزام والطريق" والتى يمكن أن تلعب دوراً محورياً فى الارتقاء بالعلاقات بين الطرفين فى جوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومع الأخذ فى الاعتبار أن علاقات الصداقة العربية الصينية لا تحركها فقط المصالح الاقتصادية، وانما تنبع أيضا من تشارك الطرفين فى الرؤى والقيم تجاه العديد من الموضوعات الرئيسية المطروحة فى ساحة العلاقات الدولية، إضافة لعدم تخلى الصين عن مواقفها المساندة بقوة للدول النامية على الرغم من الطفرة الاقتصادية الهائلة التى حققتها على مدى الأعوام الأخيرة.
وأشار عفيفى إلى أن الأمين العام استعرض من ناحية أخرى أهم التطورات التى شهدتها المنطقة العربية على مدى السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع فى الدول التى واجهت نزاعات مسلحة، والتى كانت لها تداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الواسعة، منوهاً إلى ثلاثة تحديات استراتيجية فى هذا الإطار:
الأول: أن القضية الفلسطينية تظل فى قلب التطورات التى تشهدها المنطقة العربية، الأمر الذى يستوجب استمرار العمل بقوة من أجل التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة لهذه القضية على أساس حل الدولتين
وبما ينعكس فى أن تتحول ديناميكيات المنطقة نحو الاستقرار والرخاء. وتناول الأمين العام فى هذا الخصوص الأثر السلبى الذى ولدته المواقف الأمريكية الأخيرة، خاصة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، مع الإعراب عن تقديره للموقف الصينى الراسخ المؤيد على طول الخط للحق الفلسطينى وحل الدولتين.
الثاني: تنامى تدخلات بعض الأطراف الإقليمية فى الشئون الداخلية الدول العربية بما غذى من الانقسامات والنعرات الطائفية فى بعض مناطق الوطن العربى. وأشار الأمين العام إلى أن السياسات الإيرانية على وجه الخصوص تناقضت فى أحيان كثيرة مع مبدأ احترام سيادة الدول وأهمية الحفاظ على هويتها الوطنية وأدت إلى المزيد من التصعيد لبعض الأزمات وأيضاً خلق أزمات جديدة.
الثالث: ضرورة العمل على القضاء نهائياً على خطر الإرهاب والقيام بإصلاح الخطاب الدينى بما يضمن ليس فقط الانتصار على الجماعات والتنظيمات الإرهابية وانما أيضاً القضاء على الفكر المتطرف الذى يمهد لظهور الارهاب، مشيراً إلى وجود التزام واضح لدى قيادات الدول العربية بالوقوف أمام هذا التهديد واتخاذ خطوات عير مسبوقة لمواجهته.
وأضاف عفيفى أن الأمين العام أشار فى ختام المحاضرة إلى أنه على الرغم من ضخامة هذه التحديات إلا أنه لديه تفاؤلا بقدرة الدول والشعوب العربية على التعامل مع هذه التحديات، وذلك فى ظل وجود عناصر إيجابية مشجعة فى هذا الصدد على غرار أن معظم سكان الدول العربية هم حاليا من فئة الشباب الذين يمثلون طاقة كبيرة يمكن الاستفادة منها فى تحقيق التقدم والنمو المطلوبين فى المجتمعات العربية، خاصة فى ظل النمو فى معدلات التعليم والانفتاح على التكنولوجيا العالمية. كما أشار إلى أن المنطقة العربية تمتلك إمكانات اقتصادية هائلة يمكن أن تكون محركاً لتحقيق التقدم والازدهار فى مستويات المعيشة اذا ما احسن استغلال هذه الامكانات، مضيفاً أن هناك عدة دول عربية اتخذت بالفعل خطوات هامة فى هذا الاتجاه لتشجيع الاستثمارات وتحسين البنى التحتية للاقتصادات الوطنية وإجراء إصلاحات فى السياسات التجارية والمالية والنقدية.
تجدر الإشارة إلى أن المحاضرة أعقبتها جلسة حوار بين الأمين العام والمشاركين فى الندوة من الأكاديميين الصينيين الذين طرحوا استفساراتهم حول عدد من الموضوعات المرتبطة بما يجرى فى المنطقة العربية من تطورات ومواقف جامعة الدول العربية فى التعامل معها،وأيضاً حول مستقبل وآفاق التعاون العربى الصينى ودور منتدى التعاون كإطار مؤسسى فى تحقيق المزيد من التقارب بين الطرفين.