أكدت النيابة العامة فى أبوظبى، ارتفاع عدد القضايا الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعى، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجارى لتبلغ 512 قضية مقارنة بعام 2018 إذ بلغت 357 قضية، بنسبة زيادة وصلت إلى 43%، وفى إمارة الشارقة بلغت نسبة الزيادة فى قضايا التواصل الاجتماعى 33% العام الجارى، مقارنة بالعام الماضى، ويتمثل معظمها فى السب والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
وذكر تقرير مطول لصحيفة الرؤية الإماراتية، أن من أبرز الجرائم المرتكبة عبر مواقع التواصل، التعدى على الخصوصية (دخول، استيلاء، نسخ، نشر وإعادة نشر، تعليق مسيء)، إلى جانب الإعلانات الوهمية، وإشاعات على خلاف الحقيقة، والتحريض على مخالفة القوانين وارتكاب الجرائم، والسب والقذف، وغيرها من التجاوزات.
وكشف قانونيون ومؤثرون على منصات التواصل الاجتماعى، أن بعض المشاهير فى سوشيال ميديا، يتربحون بالاتفاق مع محامين من تعويضات المحاكم عبر نشر هؤلاء المشاهير آراء استفزازية على منصة التواصل وانتظار ردود تحمل إساءة مباشرة لهم بهدف رفع دعوى قانونية على أصحاب الردود المتابعين، وكسب مبالغ مالية كبيرة، وأوضحوا أنه قبل أن ينشر هؤلاء آراء معينة تكون غالباً جدلية أو مستفزة يتفقون مع محامين على صيغة المنشور ليمس مواضيع اجتماعية، فيستفيدوا من العقوبات المغلظة التى تفرض فى هذا النوع من القضايا، إذ تصل التعويضات إلى غرامة مالية تبلغ نصف مليون درهم.
استدراج المتابعين
قال محمد المناعي، أحد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، إن عملية استدراج المتابعين لشتم المؤثر أو الناشط على منصات التواصل من أجل مقاضاته والحصول على مبالغ مالية أضحى ظاهرة حالياً، لافتاً إلى أنه برزت أيضاً ظاهرة موازية بوجود محامين يتعاقدون شفهياً مع هؤلاء المشاهير من أجل تحريك قضايا وإقناع المشكو ضده بالتسوية المالية.
وأضاف «هناك حالات ثبوتية عن جنوح البعض إلى منشورات استفزازية بهدف فتح باب للرزق كما يعتقدون، ومن ثم يطالبون بتسويات مالية للتنازل عن القضايا لأنهم يعلمون أنه لو حكم في القضية بـ150 ألف درهم غرامة على الشخص المتهم فإن المبلغ سيذهب للدولة وليس للشاكي، فيبادرون بالتسوية ولو كانت بدفع مبلغ 20 ألف درهم للتنازل عن الشكوى».
وأوضح أن بعض المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي ليس لديهم عمل يرتزقون منه ولذلك يرتزقون من تلك الشتائم، حيث أصبح الأمر ظاهرة يجب توعية المجتمع من المخاطر الناتجة عنها.
«فخ التجريم»
من ناحيته، قال يوسف الكعبى، أحد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى، إن هناك بالفعل مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعى يضعون منشورات جدلية واستفزازية إلا أنه لا يمكن محاسبتهم قانونياً لأنهم لم يسيئوا فيها إلى أحد، ولكنها تحمل أفكاراً معينة، وبمجرد نشر أي تعليق يتضمن قذفاً أو ذماً يتم توثيق ذلك بغرض رفع الدعاوى.
ولفت إلى أن هؤلاء الأشخاص على دراية بالقانون، مؤكداً أنه يميل إلى ترك الملاسنة على وسائل التواصل الاجتماعي التي ينتج عنها تجريم إما بالسب أو القذف أو الازدراء أو غيرها من الجرائم.
بدوره، ذكر عبدالله صبران، مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، أن كثيراً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ليس لديهم الوعي الكامل بالجزاءات القانونية التي توقع على المخالفين للقانون، ولذا يعتقدون أن هذا الفضاء الإلكتروني ليس له ضوابط.
وأضاف أن هناك مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي يسترزقون من السب والقذف من خلال استفزاز المتابعين بعبارات أو أفكار قد لا يتفق معها البعض، موجهاً نصيحة لهؤلاء بأن الفكرة تواجه بالفكرة أو التجاهل دون الوقوع في فخ السب والقذف اللذين يجرّمهما القانون.
أطروحات مستفزة
وقال وكيل نيابة أول في دائرة القضاء أبوظبي عامر العامري، إنه لابد من وجود معيار أساسي لتعريف الأطروحات المستفزة على وسائل التواصل الاجتماعي بتلك التي تمس الموروث الأخلاقي أو الاجتماعي أو الدينى، وأضاف أن بعض الأشخاص يعلمون أن الموضوع المطروح على سوشيال ميديا مستفز للبعض، وهناك أشخاص حينما ينشرون منشوراً يقومون فعلياً بتجهيز الكاميرا وطباعة أي إهانات أو مسبّات توجه لهم ومن ثم يدخلون مراحل التقاضى.
وأوضح أن النيابة تراعى دائماً وجود الإساءة فى المنشور أو الردود، لافتاً إلى أنه أحياناً يتم التحقيق مع ناشرى البوستات المستفزة إذا كانوا قاصدين فعلياً أن يستفزوا المتابعين، وقد يتغير موقفهم القانوني حتى إن كانوا من الشاكين.
وتابع: «النيابة العامة يجوز لها تحريك القضايا بدون شكوى قانوناً ولكنها فعلياً تتدخل عندما يكون هناك أفعال مشينة»، مشيراً إلى أن هناك 13 مليون حساب على سوشيال ميديا يصعب التدخل فيها ولكن التدخل بتحريك دعوى يكون عادة عندما يتم التعدي أو المساس بالدولة واختصاصاتها ورموزها ووجهاتها.
حرية الآخرين
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، المستشار زايد سعيد الشامسى، إن الدستور الإماراتي كفل للجميع حرية التعبير عن الرأي في حدود القانون بشرط عدم المساس بحرية الآخرين أو عدم التلفظ بما يعتبر جريمة سواء بسب أو قذف أو تهديد أو غيرها من الجرائم، وإذا عرض الشخص فكرته أو رأيه بطريقة استفزازية أو مستهجنة فإنه يجب على المتابعين ألا يهاجموه بطريقة يعاقب عليها القانون من خلال سبه أو قذفه لأنه سيقع تحت طائلة القانون حتى لو كان المنشور مستفزاً ولا يتناسب مع أفكار العامة، وأضاف أن القضاء قد يراعي أن الشخص كان مُستَفَزّاً حينما رد على منشور معين على وسائل التواصل الاجتماعي وقد تخفف العقوبة إلا أن ذلك لا يلغيها.
نصف مليون درهم
وأشار المحامي سعود محمد إلى أن البعض يستغل مواد القانون التي تغلظ العقوبة على مرتكبي الجرائم الإلكترونية لاسيما السب والشتم، للحصول على تعويضات مالية تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم، فعقوبة السب المباشر تقود إلى الحبس لمدة عام وغرامة مالية تصل إلى 10 آلاف درهم، بينما تنص المادة 20 من مرسوم القانون رقم 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أنه يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء من قبل الآخرين، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، بالإضافة إلى إبعاد وجوبي للمقيمين بعد انقضاء فترة عقوبتهم.
وقال: «ما يؤخذ على قانون الجرائم الإلكترونية المتعلقة بسوشيال ميديا هو تطبيقها العقوبة على جميع الأشخاص بمن فيهم المراهقون دون سن 18 عاماً، ما يؤثر سلباً على مستقبلهم».
طرق احتيالية
من جانبه، ذكر المحامي سيف الشامسى، أن بعض المحامين يتفقون مع مشاهير التواصل الاجتماعى، لتحقيق كسب مادي وسريع عبر تبصيرهم بالحيل التي لا تتعارض مع القانون، وفي الوقت ذاته يمكنهم كسب مبالغ مالية كبيرة بطرق احتيالية تتمثل في طرح مواضيع تمس المجتمع أو الدين وتقديم آراء تثير الحمية الوطنية أو الدينية، بشكل مستفز أو مثير للسخرية، ما يثير غضب بعض المتابعين الذين يجهلون القانون ويدفعهم إلى سبهم وشتمهم عبر نشر تعليقات على حسابهم تتهمهم بالتفاهة أو تسيئ لعوائلهم أو أصلهم، ما يدفعهم إلى تقديم بلاغات ضد هؤلاء الأشخاص والمطالبة بتعويض مالي بقيم كبيرة جراء الضرر الذي تعرضوا له.
وأوضح «حوّل بعض المحامين ساحات التواصل الاجتماعى إلى وسيلة للتكسب عبر رصد أي عبارات سب توجه لأحد مشاهير سوشيال ميديا، ومن ثم التواصل معه من أجل تبصيره بأن له حق التعويض المالي قانونياً وحق المطالبة به عبر تقديم بلاغ يتحول لاحقاً إلى قضية، ويكونون هم موكلين عن مقدمي البلاغ مقابل الاتفاق على نسبة من قيمة التعويض المالى".
شخصيات مجتمعية
وقال المستشار القانونى هشام مرسي إن بعض مكاتب المحامين اتجهت للتوكل عن قضايا "سوشيال ميديا"، التى تندرج تحت مسمى الجرائم الإلكترونية ، وتشمل سب بعض الأشخاص عبر حساباتهم الافتراضية، من أجل الحصول على نسبة من قيمة التعويض يتم الاتفاق عليها سلفاً بين الطرفين.
ولفت إلى أن مكاتب المحاماة، تسعى غالباً للحصول على قضايا يكون الحكم فيها مضموناً بتعويض مالى من أجل الحصول على نسبة من قيمة التعويض بدلاً من الحصول على أتعاب تتمثل بمبلغ مالي لا يزيد في معظم قضايا الجرائم الإلكترونية، باستثناء السب، عن 30 ألف درهم، مضيفاً "لا تقف حيل المحامين وبعض مشاهير منصات التواصل عند تقديم دعاوى جزائية بل يلجأ البعض للتفاوض مع من يسبونهم لدفع مبالغ مالية محددة مقابل التنازل، ما يجعل البعض يقبل هذا العرض حفاظاً على السمعة ولا سيما الشخصيات المجتمعية المعروفة وأيضاً أصحاب المناصب".
وتشير الدراسات والإحصائيات ،إلى أن سكان الإمارات يستخدمون الإنترنت، بمعدل 8 ساعات يومياً منها 3 ساعات على مواقع التواصل الاجتماعى، و70% من طلاب الإمارات، يستخدمون مواقع التواصل أكثر من 5 ساعات يومياً، بالإضافة إلى أن سكان الإمارات لديهم 19.3 مليون حساب على وسائل التواصل الاجتماعى.