أكد مسؤولون حكوميون وباحثون وأكاديميون بالبحرين، أن أزمة فيروس كورونا (كوفيد 19) أظهرت جاهزية الأنظمة الصحية في دول الخليج، وقدرة الحكومات الخليجية على التعامل مع التداعيات الاقتصادية للأزمة، لا سيما من خلال الحزم المالية والاقتصادية التي أطلقتها لدعم مواطنيها واقتصاداتها بحسب صيحفة الأيام البحرينية.
جاء ذلك في الندوة التي أقيمت بعنوان «استراتيجيات دول الخليج لإدارة أزمة كورونا» -التي نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» عن بُعد، بمشاركة الأمين العام المساعد لمجلس التعاون للشؤون السياسية والمفاوضات عبدالعزيز حمد العويشق، والرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة عبد الله العبسي، ورئيس مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي ابتسام الكتبي.
ودعا المتحدثون في الندوة إلى أهمية الاستفادة من تجارب الأزمة، لا سيما في التعامل مع ملف العمالة الوافدة الذين يشكلون غالبية المصابين في دول مجلس التعاون الخليجي، وإعادة النظر في سياسات الاستقدام لفئة عمالة لن تتخلى حاجة القطاعات الخاصة في دول الخليج عنها، كذلك النهوض برقمنة التعليم، والتحول الإلكتروني في مجال تقديم الخدمات الحكومية.
واعتبر العويشق أن أبرز تأثيرات الأزمة غير المسبوقة عالميًا هي أنها جاءت في فترة ركود اقتصاد وانخفاض لأسعار النفط بالنسبة لدول تعتمد اقتصاداتها على النفط والطاقة، لافتًا الى حجم الأثر الذي خلفته الأزمة بسبب تعليق العديد من الأنشطة الاقتصادية بسبب انتشار المرض.
وأشار العويشق في الندوة -التي حضرها رئيس مجلس أمناء المركز الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، وأدارها مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية في المركز أشرف كشك- الى الدور الذي لعبة المجلس وفق صياغة العمل الجماعي بمواجهة الأزمة، وأبرزها اجتماعات اللجان الوزارية المختصة بالقطاعات الصحية، واجتماعات وزراء الداخلية المرتبطة بملف التنقل والسفر، كذلك اللجان التجارية فيما يتعلق بآلية الشراء الخليجي المشترك للأدوية والأجهزة الطبية -الذي يفعّل خلال الأزمات-، كذلك إنشاء مركز عمليات مشترك يقوم على تحليل البيانات والأرقام التي ترد من دول المجلس وانتشار المرض بين فئات العمالة الوافدة، بالإضافة الى التواصل المباشر مع منظمة الصحة العالمية.
ولفت العويشق الى آليات التعامل مع التداعيات الاقتصادية والمالية للأزمة، والتي اتجهت نحو عدة قرارات أبرزها خفض الإنفاق الحكومي، وتوفيرالسيولة، الى جانب توفير الإمدادات التجارية، وتحويل خطوط الإنتاج لتغطية احتياجات دول الخليج من الكمامات والمعدات الطبية، وهو ما أدى الى حلول نسبية للكثير من التحديات التي واجهتها دول الخليج في ظل الأزمة.
وكشف العويشق عن اجتماع مرتقب بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي يوم غد الخميس، لاستعراض الآليات التي اتبعتها دول الخليج بالتعامل مع الجائحة، مؤكدًا أن المجلس وضع تقريرًا يتضمّن جميع الإجراءات التي اتخذتها دول المجلس للتعامل مع تداعيات الجائحة.
من جانبه، اعتبر العبسي ان الأزمة قد كشفت عن أهمية التركيز على نواحي اقتصادية مهمة، أبرزها توافر احتياجات غذائية وطبية لدول الخليج من خطوط إنتاج خليجية لضمان عدم انقطاعها، والحاجة التي كان يفترض النهوض بها ما قبل الأزمة وهي صحة العمالة الوافدة وبيئتها السكنية، لافتًا الى أن الأزمة قد كشفت عن قدرات كانت دول الخليج -ومن بينها البحرين- تتمتع بها، وأبرزتها تداعيات الأزمة.
وأشار العبسي الى أن البحرين اتجهت الى عدة قرارات بشكل مبكر منذ بدء الأزمة، بالاعتماد على منظور واقعي بالتعاطي مع ملف العمالة الوافدة، لا يقوم على ترحيل العمالة، بل التعامل مع الجائحة على أنها أزمة أتت وستنتهي، لكن الحاجة الاقتصادية الواقعية لهذه العمالة موجودة.
وكشف العبسي عن سياسة تصحيح الأوضاع التي أطلقتها الهيئة أمام العمالة المخالفة، وكانت تهدف الى شعور العامل المخالف بالثقة وعدم الخوف، والاتجاه للفحص فيما لو ظهرت عليه الأعراض، وقد أدت هذه السياسة الى تخفيض أعداد العمالة المخالفة بنسبة 25% منذ إطلاق فترة تصحيح الأوضاع.
واعتبر العبسي أن أبرز مقومات نجاح تجربة البحرين بالتعاطي مع جائحة (كوفيد 19) يتمثل بالقيادة المباشرة من قبل صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما أعطى ثقة لدى المواطن بإدارة هذا الملف، وإصدار القرارات المباشرة للتصدي لـ(كوفيد 19).
ولفت العبسي الى أن مشروع التأمين ضد التعطل الذي مضى على إصداره أكثرمن عقد من الزمن، قد شكّل أحد ركائز دعم القطاع الخاص خلال الأزمة، لا سيما من خلال مخاطبة السلطة التشريعية ووضع استثناء للقانون يسمح بدعم رواتب الموظفين البحرينيين في القطاع الخاص دون المساس بميزانية الدولة.
وحذر العبسي من التعاطي الذهني مع العمالة الوافدة «شماعةً» لإلقاء اللوم عليها بالجائحة، قائلاً: «في بداية الأزمة أُلقي اللوم على الصين، ثم على القادمين من الخارج، ثم العمالة الوافدة. دائمًا هناك حاجة نفسية لإلقاء اللوم خلال هذه الأزمات على طرف ما. لقد أثبتت الأزمة أنه كانت هناك حاجة للنهوض بصحة العامل الوافد وبيئته السكنية ما قبل الأزمة، وليس أن يصبح هذا الملف أحد تداعيات الأزمة، لا سيما أن الأزمة قد أثبتت أن صحة العامل الوافد تؤثر بصحة المجتمع وسلامته».
ونفى العبسي أن يكون قد ترتب على الأزمة زيادة في أعداد حالات الاتجار بالأفراد، لا سيما في ظل إغلاق المطارات وتعليق حركة التنقل.
من جانبها، اعتبرت الباحثة الكتبي أن الأزمة شكلت تحديًا حقيقيًا أمام دول الخليج، لا سيما بالنسبة للاقتصاد الذي يعتمد على النفط والطاقة، كذلك تحدي العمالة الوافدة إذ كان يتطلب من دول الخليج التعامل مع أعداد كبيرة من الناس الوافدين.
وقالت الكتبي إن جميع دول الخليج قد نجحت بإدارة ملف الإعلام الرسمي المرتبط بالجائحة، لا سيما من خلال الشفافية التي انتهجتها بالإعلان عن الإصابات والأوضاع الصحية، والتي لم تترك مجالاً للإشاعات.
ولفتت الكتبي الى أن الأزمة قد أبرزت أهمية الاتجاه الى التعليم الرقمي، كذلك الخدمات الحكومية والاستفادة من التكنوولوجيا، واتجاه دولة الإمارات نحو العلاج باستخدام الخلايا الجدعية رغم التكلفة المترتبة على هذا الاتجاه.
وأشارت الكتبي الى الإعجاب الكبير بتجربة البحرين بالتعامل مع الجائحة، ومستوى الاستجابة لدى جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، رغم محدودية موارد الدولة.